الهروب السوري الكبير من المسؤولية – أيهم محمود

من منا بريء من التسبب بهذا الخراب الحاصل في سوريا!؟
سناك سوري – أيهم محمود
ربما يكون كلامي هذا الأسبوع ثقيلاً على نفوس الكثيرين.
يختلف السوريون بشدة حول الجهة التي تتحمل مسؤولية ما آلت إليه حياتهم، غالباً ما يقومون بتحميل طبقة اجتماعية أو طبقة سياسية محددة مسؤولية الخراب، هناك من يحمّل المعارضة كامل المسؤولية وهناك من يريد تحميل النظام السياسي القائم حالياً كامل المسؤولية، هناك من يريد اتهام طائفة أو قومية بكاملها، وهناك من يريد اتهام دول أخرى وتبرئة نفسه بل تبرئة الداخل السوري بكامله، هناك من يريد اتهام طبقة اقتصادية محددة وتبرئة البقية، لكن الواقع المر المرفوض من غالبية السوريين يقول بوضوح أن الجميع شركاء في الخراب وفي نتائجه.
معظمنا إن لم يكن جميعنا شارك في ما آلت إليه أحوالنا، بدءاً من الموظف الذي لا يؤدي عمله ويقبض راتبه دون أن يتكرم بالقدوم إلى وظيفته إلا حين قبض حصته من النهب العام لعرق الذي يعملون بجد وضمير إلى طبقة التجار الناعمة التي انتفخت كروشها خلال مشاركتها الطويلة والفاعلة في النظام السياسي والاجتماعي القائم وتريد الآن عبر وكلائها أن تحمله كامل المسؤولية عما حصل، إلى من يقول أن التطرف الأصولي لمكون اجتماعي محدد هو السبب في المأساة السورية وينسى تطرفه الشخصي وينسى انغلاقه الخاص وتبنيه أوهام وتعاميم خطيرة بحق شركائه في الوطن، إلى الذين شاركوا في الدورة الاقتصادية بشكل فاعل وبحرية تامة وبامتيازات واضحة ليجنوا منها ملايين ومليارات الدولارات في حساباتهم الشخصية التي تم تهريبها إلى بنوك لبنان وبنوك الإمارات وغيرها من البنوك الإقليمية والعالمية قبل أن يحاولوا اليوم الحصول على وثيقة غير مشارك! لنفي مسؤوليتهم عن ما آلت إليه أحوال البلد وأحوال مجتمعهم، هم حاضرون فقط عند اقتسام الغنائم وخارج أوقات الاقتسام والحصول على المنافع يقومون مع الجوقة التي تدافع عنهم والتي لا تختلف عن بقية الجوقات المماثلة بتضليل الوعي العام ومحاولة طمس الحقائق، هناك من شارك ولسنوات طويلة في قرارات هامة وفاعلة وكان مسؤولاً مهماً ثم تحول بمعجزة استثنائية إلى معارض له جوقته التي تدافع عنه في حرب الصراخ السوري الذي لا يؤدي إلى أي نتيجة ولا يصل بنا إلى أي مكان.
اقرأ أيضاً: التسامح الشعبي مع العنف _ أيهم محمود
أيها السوريون الكرام:
معظمنا وإن لم يكن جميعاً -وأنا أولكم- نتحمل المسؤولية الأخلاقية المباشرة عن هذا الخراب، كلنا كنا مشاركين فاعلين به دون أي نية بتغيير هذا الحال لأننا حتى هذه اللحظة مازلنا نبحث عن كبش محرقة بدل البحث عن الأسباب الموضوعية لانهيارنا الحالي.
في المال والاقتصاد وفي الحصول على المنافع والامتيازات الخاصة والحصرية كل الأطراف الاقتصادية واحدة لا يوجد شقاق بينها، الشقاق بينكم أنتم، أنتم المفتونون بوهم وجود خلاف بين أصحاب المال وأصحاب المصلحة المباشرة في زيادة فقركم وزيادة غناهم، الشقاق في أحلامكم وفي أوهامكم وفي حمّى بحثكم عن صكوك الغفران لهم ولغيرهم ولكم أيضاً.
في التهرب من العمل وفي التهرب من قول الحق والتهرب من المشاركة في البحث عن جذور الأزمة الحقيقية كل الأطراف المتناقضة متفقة ولا خلاف بينها، لا يوجد خلاف بينهم حول مشروعية خرق القوانين العامة وتأمين الاستثناءات الخاصة، الخلاف هو حول القذى في أعين الآخرين بدلاً من رؤية الخشبة التي نحتفظ بها بسعادة ورضا في أعيننا.
أن نكون بلا وعي اقتصادي فهذا يعني أننا شركاء فاعلين فيما يجري على الأرض، ويعني أيضاً أن محنة سوريا ومحنة السوريين مازالت طويلة، وأننا سوف نذوق العذاب والخراب أصنافاً وراء أصناف حتى يبدأ تغير ثقافي شامل بغزو وعينا ويبدأ البحث عن حلول حقيقية لأزماتنا الوجودية بدل البحث عن الخروف الذي يتوجب ذبحه لإنقاذ سمعة البقية في هذا الاحتفال الكبير المجيد.
اقرأ أيضاً: شيوخ الدين الجدد – أيهم محمود