يهملون صحتهم بسبب الظروف.. هل باتَ علاج أمراض الشباب حُلماً؟
أمراضٌ تصيب الشباب ويعجزون عن علاجها
الربو والقلب والاكتئاب، من أبرز أمراض الشباب السوري المنتشرة حالياً، حيث انصرف غالبيتهم لمواجهة الحياة ومتطلباتها. ضمن الظروف المعيشية الحالية، مهملين صحتهم الجسدية والنفسية.
سناك سوري _ حلا منصور
يشتكي “ربيع جمعة” (18 عاماً) من آلام مُبرحة في مفاصله و منطقة البطن، عندما تباغته نوبة فقر الدم المنجلي، التي تصل به أحياناً حدّ البكاء.
اكتشفت عائلة الشاب مرضه عندما كان في السادسة من عمره، لتبدأ حينها رحلةُ العلاج الشاقّة.
وفقر الدم المنجلي مرض وراثي، يُحدث تشوّهاً بشكل الكريات الحمراء، ليتحوّل شكلها من مُستدير ومرن إلى هلال. الأمر الذي يُعيق تدفّق الدم أو يمنعه. ما يعني أنّ أي جهد عال للمريض يؤدي لنقص أكسجته.
ربيع ابنٌ لأبٍ وأمٍ منفصلين، يعيشُ في كنفِ جدّته “فيروز بركات” التي تبذلُ ما تستطيع لتخفف آلام حفيدها. تقول لسناك سوري: «بس تجيه نوبة بنقله عالمستشفى، أهل الخير بيساعدوني وصله. وهنيك بيحطوله سيروم، وأنا بتبرع بدم للمشفى ليحطوله هنن الزمرة المناسبة، كون زمرتي ما بتتطابق مع زمرته».
أثقلت أسعار الأدوية التي يحتاجها الشاب شهرياً من حبوب حديد و مُتمّمات غذائية كاهل الجدّة. الأمر الذي أدّى لتوقف إعطاء الشاب ما يحتاجه من الدواء، بعدما لامس ثمنها الـ 200 ألف ليرة سورية شهرياً.
وتضيف: «المشافي الحكومية لا تقدّم لنا الدواء، نحنا لازم نشتريه وأنا مو قدرتي بهي الأوضاع». مُبيّنةً أن حفيدها اليوم يحتاج بحسب رأي الأطباء، إلى عملية زرع نقي عظام وتغيير دم في الجامعة الأميركية في لبنان. وهي تأملُ مساعدة ما، تنقذُ حياة حفيدها.
ربما لا يكون فقر الدم المنجلي أحد أمراض الشباب، إلا أنه من الأمراض الوراثية التي تغيّر حياة حامليها رجالاً ونساء. ولا يتوقف تأثيرها عند عمر معين.
ذكرى نخز الإبرة
لا تنسى “لمى حمادة” (34 عاماً) نخزة الأبرة الأولى في جسدها الغض وهي بعمر السنوات الأربع . عندما طلب الطبيب تحليل مستوى السكر عند الطفلة التي ازدادت حالتها سوءاً آنذاك.
لم يعلم أهل الطفلة التي تعاني من ضعف وخمول وقلّة شهية، سبب هذه الحالة، فكان الحل بالتوجه إلى الطبيب المختص، الذي شخّص المرض بأنّه سوء امتصاص. ووجّه الأهل بضرورة اتباع حمية عن مشتقات القمح من خبز وغيرها لمدة ستة أشهر. وهنا بدأت الكارثة، حيث أدّت الحمية القاسية بالنسبة لطفلة إلى تراجع حالتها الصحية بشكل أكبر. وصولاً إلى توقف البنكرياس عن العمل وتسلّل مرض السكري إلى جسمها الغضّ. وهو ما اكتشفه طبيب آخر لدى رؤية حالة الطفلة حينها.
تقول لمى في حديثها لسناك سوري «لهلأ ما بنسى نخزة الإبرة بإيدي، حللولي سكر وكانت النتيجة أنه واصل عندي لل 475. الأمر يلي كان ممكن يضربلي عيوني وكلاويي».
خطأ طبي في تشخيص حالتها، أجبرَ “لمى” أن تعيش على الأنسولين بقيّة حياتها الذي تحصل عليه من مركز السكر التابع للمشفى الوطني في اللاذقية. بينما تشتري مجموعة من فيتامينات الحديد والزنك وB1 وB6 و B12، بالإضافة لشرائح التحليل التي يصل ثمنها إلى 250 ألف ليرة سورية وتحوي 50 شريحة، ولا تكفيها شهراً كاملاً.
بقع بُنيّة داكنة سببت اكتئاباً!
تؤرّق البقع البُنية الداكنة حياة “ديمة” (28 عاماً)، منذ أربع سنوات وتسببُ لها خوفاً وتعباً نفسياً. حيث تنقّلت بين عدة أطباء شخّصوا الحالة بأنها مرض جلدي يسمّى النشوانية. ويحدث بسبب تراكم بروتينات مطويّة بشكل غير طبيعي في نُسج وأعضاء الجسم، مشكّلةً ترسّبات نشوانية على شكل بقع بنية في أنحاء الجسم.
جرّبت ديمة مختلف أنواع الكريمات الدوائية والعشبية مع عدد من الأطباء دون نتيجةٍ تُذكر. ما دفعها للجوء إلى أخذ إبر الميزو، وهي مادة تستخدم لتفتيح البقع الداكنة في الجلد. تدرّجت أسعارها من 30 ألف وصولاً إلى ما يزيد عن 100 ألف اليوم. الأمر الذي أجبرَ “ديمة”على التوقف عن العلاج رغم استفادتها منه. فيما لا تقدّم المشافي الحكومية أي علاج لحالتها باعتباره علاجاً تجميلياً.
الظروف الراهنة في البلاد أدّت لإهمال الشباب لصحتهم. على اعتبار أنّ هناك أولويات معيشية ومستقبلية ومشاكل عديدة تشغل الحيّز الأكبر من اهتمامهم وتفكيرهم الدكتور عزيز مصة اختصاص جراحة عصبية
الرأي الطبي
يقول الطبيب عزيز مصّة، اختصاص جراحة عصبية، لسناك سوري، أنّ أبرز أمراض الشباب السوري هي الأمراض القلبية والصدرية المزمنة كالربو. بالإضافة إلى فقر الدم وحمّى البحر الأبيض المتوسط والاكتئاب.
وأرجعَ مصّة ظهور هذه الأمراض إلى أسباب وراثية وعائلية ومؤثرات غير محددة تلعب البيئة المحيطة دوراً في تشكّلها. بالإضافة للعامل النفسي من قلق وخوف بسبب الأوضاع الراهنة في البلاد.
وأضاف مصّة أنّ الظروف الراهنة في البلاد أدّت لإهمال الشباب لصحتهم. على اعتبار أنّ هناك أولويات معيشية ومستقبلية ومشاكل عديدة تشغل الحيّز الأكبر من اهتمامهم وتفكيرهم. مُبيّناً أنّ أغلب المرضى الشباب لا يراجعون المستشفى إلا بعد تفاقم حالتهم الصحيّة. بالإضافة لأسلوب الحياة غير الصحي والغذاء غير المتوازن.
ونصحَ الطبيب الشباب بمتابعة صحتهم العامة في المشافي الحكومية بشكل دوري خصوصاً في حال وجود أمراض عائلية. إضافة إلى التقليل من الدخان والكحول والوجبات الجاهزة، وممارسة رياضة خفيفة منتظمة قدر الإمكان.
وتعتبر الحالة النفسية نتيجة الوضع الراهن، من أبرز أسباب أمراض الشباب، خصوصاً مع ازدياد حالات الوفاة بـالجلطة القلبية بين أوساط الشباب اليوم.