وفاة نوري اسكندر .. حارس الموسيقى السورية ومدوّن نوطات السريانية
رحيل صاحب كونشيرتو العود .. مجدّد الموسيقى السورية المعاصرة
من تدوين التراث السماعي للموسيقى السريانية بالنوطة لأول مرة، وعلى وقع اكتشاف 900 لحن، برز اسم “نوري اسكندر” 1938_ 2023 الذي اعتبرَ أن الموسيقى السريانية هي منبع الموسيقى السورية وإحدى أبرز مرجعياتها.
سناك سوري _ دمشق
درس حارس التراث الموسيقي الشرقي والمُجدد فيه نوري اسكندر الموسيقى في صغره على يد الموسيقي الروسي “ميشيل بوزيرنكو”. وازداد ولعه بالموسيقى بعد أن درسها في المعهد الموسيقي في القاهرة، حيث كان اسمه على لائحة أول بعثة سورية إلى مصر في زمن الوحدة عام 1959. ليعود بعدها إلى حلب ويبدأ بتدريس الموسيقى في مدارسها عام 1964.
لينكبّ بعدها على كتابة موسيقى شرقية كلاسيكية حديثة وغير تقليدية في وقتٍ كانت الموسيقى العربية في حالة من الخدر منذ ثلاثينيات القرن الماضي. حسب وصفه. قائلاً «لا يُعقل أن تبقى الأغنية العربية أسيرةً للفراق والأشواق والتكرار الكلثومي حتى يومنا هذا».
تجسّدت أحلام “اسكندر” في تحطيم القواعد الموسيقية التي وقفت عند حدود التطريب. فقد اعتبرَ أن جذور القدود الحلبية سريانية. وبعد أن دخل الإسلام إلى المنطقة، تطوّرت القدود إلى موشحات ثم توقفت عند ذلك الحد.
انطلاقاً من ذلك، بحث “اسكندر” عن جذور تلك الموسيقى، وجمعها ونقلها من تراث شفوي إلى مدوّنات. ولا سيما ما يتعلّق بالموسيقى السريانية التي تعود لمدرسة الرها (أورفا حالياً) ومدرسة دير الزعفران. ليقدم العديد من الدراسات والأعمال الموسيقية والأبحاث في الألحان السريانية التي قام بتدوينها بالنوطة لأول مرة.
وبعدما أمضى نحو عشرينَ عاماً في التدوين والبحث عن أشكال لحنية جديدة بقوالب مفتوحة، إضافة إلى والأرشفة والتجريب. كانت خلاصة تلك التجارب أسطوانة “كونشيرتو العود” ثم اسطوانة “الثلاثي الوتري” بالإضافة إلى مؤلفات آلية وغنائية.
انتقلَ “اسكندر” من حلب التي فقدت روحها الموسيقية حسب تعبيره، إلى دمشق التي أنتجَ فيها إسطوانة “تجليات” التي كانت تتويجاً لتوليفاته الموسيقية الشرقية على أرضية كلاسيكية.
اشتهرت موسيقى “اسكندر” بكونها مزيجاً من الألحان الكنسية والموالد والأذكار والنكهة الشعبية التي خبرها في مطلع حياته في حلب.
قدم “اسكندر” حفلات موسيقية في السويد عام 1989 ونفذ مشروعاً مع الجالية هناك لتسجيل الموسيقى السريانية وحفظها.
وفي عام 2000 كتب الموسيقى التصويرية للسلسلة الوثائقية “أعمدة النور” وفيلم “مار مارون”. وفي عام 2002 قام بتأليف موسيقى المسرحية اليونانية “باخوسيات”. وألّف “الآهات” عام 2003. و”يا واهب الحب، مدخل إلى الصوفية” عام 2007.
أجرى” اسكندر” حفلات موسيقية في مختلف عواصم العالم من السويد إلى جنيف وبروكسل وصولا إلى باريس ولبنان وغيرها. وشغل منصب مدير المعهد الموسيقي العربي في حلب بين عامي 1996 و 2002.
غادر ابن مدينة دير الزور إلى السويد عام 2013 ليعملَ على استكمال مشروعه الموسيقي في تجديد وتطوير الموسيقى السورية المعاصرة. وبدأ كما ذكر في أحد لقاءاته في كتابة عمل موسيقي ضخم يحاكي طوفان نوح بكل أطيافه وصولاً إلى ما يشهده عالمنا اليوم من فظائع وحروب ودمار. ليرحل صانع مجد الموسيقى السريانية عن عالمنا اليوم عن عمر ناهز الخمس وثمانين عاماً تاركاً وراءه إرثاً لا يُمحى.
ونعت نقابة الفنانين السوريين وعدد من المغنين والمثقفين الراحل الذي غادر العالم اليوم الاثنين. منهياً مسيرة حافلة في عالم الموسيقى.