الهجوم السياسي من بوابة الجنس – أيهم محمود

هل هناك ليبرالية قديمة وأخرى حديثة؟
سناك سوري-أيهم محمود
انتشر في الفيسبوك هجوم سوري على “الليبرالية الحديثة” بأنها أباحت المثلية الجنسية، وقبل أن أخوض في ذاكرتي عن سجلات عشرات الهجمات الجنسية المماثلة على فئات سياسية واجتماعية أخرى، أسال عن “الليبرالية القديمة” فكلمة “حديثة” توحي بوجود أخرى قديمة مختلفة عنها أو ربما مقبولة أكثر.
أصبحت حياتنا وثقافتنا عبارة عن مصطلحات فارغة من المعنى، كل ما علينا فعله هو خلق مصطلح يصلح للرجم وتفريغ الغضب الفردي والجماعي، مصطلح نستطيع أمامه إطلاق العنان لمخيلتنا الجنسية دون تحميل أنفسنا ذنب التفكير بالمحرمات الاجتماعية، نستطيع هنا تخيل الجنس الجماعي بأمان تام قبل أن نحكم عليه ونشتمه بعد وصف تفاصيله الدقيقة التي رأيناها في استيهاماتنا والتي هي على الأغلب لا تمت للواقع بأي صلة.
نحن فقط نتخيل هذا الأمر لنعرف مدى تفاهة أعدائنا وانحطاطهم الأخلاقي وليس من أجل سعادتنا الذاتية، ندخل للخيال من باب الحصرم في وصف العنب الذي لا نطاله أو في وصف ما هو ممنوع علينا قطفه لاعتبارات تتعلق بعادات مجتمعاتنا وتقاليده، لماذا يحيون ونحن لا؟، لماذا هم سعداء ونحن بائسون، لماذا يعيشون الأمان ونحن تاريخ حروب متنقلة، فلنتخيل إذاً أعواد الكبريت تحترق: أمل بائعة الكبريت الأخير قبل أن تذوي هي نفسها كأعواد الثقاب وتصل إلى نهاية العمر القصير للدفئ الهش، للدفئ الوهم.
اقرأ أيضاً: دعوة لتدريس الشطرنج كمادة إلزامية بالمدارس – أيهم محمود
قبل الليبرالية الحديثة أذكر في بداية مراهقتي حديثاً دار أمامي بين قوميين عروبيين يصفون فيه الجنس الجماعي بين الخلايا الشيوعية في سوريا، هؤلاء المتوحدين أنفسهم على إدانة الشيوعيين في ذاك الزمن، كانوا يعانون من اتهامات مماثلة بحكم انتمائهم إلى مجموعات دينية واجتماعية يتفنن الآخرون في الصاق التهم الجنسية بها، كما فعلوا هم باتهام الشيوعيين والليبرالية الحديثة – غير القديمة – لاحقاً، لا يتوقف الأمر هنا بل يحاول هؤلاء أيضاً اتهام الذين يطلقون عليهم هذه الخيالات بمواضيع جنسية مختلفة، في الخلاصة الكل يتهم الكل دون أي دليل سوى تلك المتعة السرية التي يحصلون عليها عند مرور تلك المشاهد في عقولهم دون تبعات تأنيب الضمير.
في ذاكرة أخرى من ثمانينيات القرن الماضي، يشرح زميل لنا في الجامعة ينتمي لليسار الفلسطيني، عن الانضباط الصارم الذي ينتهجه أعضاء حزبهم في حياتهم اليومية أثناء التعامل مع رفيقاتهم لدرء خطر مثل هذه الاتهامات، لاحقا وبعد انطلاق موجات الاضطراب في المنطقة والتي عُرفت باسم الربيع العربي، تصرّح ناشطة في فلسطين المحتلة عن شتم عناصر في شرطة غزة لأخيها بكلمة “ديوث”، بسبب نشاطها الرقمي في مواقع التواصل الاجتماعي وهي شتيمة مفضلة يستخدمها الإسلام السياسي، والتيارات الدينية المتشددة للنيل من الخصوم، الذين لا يمكن اتهامهم بممارسة الجنس الجماعي أو اتهامهم بالمثلية الجنسية.
اقرأ أيضاً: القضاء على الشهامة – أيهم محمود
في كل الحالات السابقة لم يؤدِّ التراجع ومحاولة الاحتماء من هذه التهم إلى خفض حدتها بل العكس هو الصحيح فقد شعر مطلقوها بأنها فعالة جداً لذلك زادوا من استخدامها لإزعاج الخصوم وإخضاعهم سياسياّ، لم يكن الحل أبداً في الهروب منها بل في تفكيك مشروعية هذا الخطاب ومواجهته ثقافياً، هي حربٌ معرفية طويلة الهروب منها هزيمةٌ مؤكدة، لقد تم استخدام هذا السلاح عبر عصور قديمة وما زال استخدامه رائجاً حتى الآن في مجتمعاتنا لذلك لا يجب التراجع أمام مطلقيه بل يجب تعرية انحطاطهم حين يتحدثون في أعراض الناس ويبالغون في أوهامهم.
حين نرد الاتهام الجنسي الواقع علينا باتهام آخر مضاد نشرعن عملية استخدامه بينما المفروض هو إدانة استخدام هذا الأسلوب وجعله عاراً في العرف العام، أسهل أمر في الحياة هو الرد على الشتيمة بواحدة أخرى، وهو ما يريده الخصم الذي يرغب في جر الجميع إلى قاعه الأخلاقي الذي يعيش فيه، الرد الحقيقي هو في تصريحنا العلني: هذه حياتنا، وهذه أعرافنا، وهذه مبادئنا، وهذا هو نتاجنا الثقافي والحضاري.
اقرأ أيضاً: طروادة الأمريكية بوابة الرئيس ترامب – أيهم محمود