الرئيسيةرأي وتحليل

هويتي لغتي – ناجي سعيد

ما هي استراتيجية محاربة الأعداء في فلسفة اللاعنف؟

Siamo tutti diversi, ma uguali، جملةٌ باللغة الإيطاليّة، وتعني “كُلّنا مختلفون ولكن متساوون!”، وقد لفتت نظري وفكّرت بها كثيرًا، حين قرأتها كشعار لجمعيّة إيطالية لا أذكر اسمها، وقد كانت تعمل هذه الجمعية في برنامج لبناء السلام بعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان. وقد أدرجت هذه الحرب المشؤومة موضة “عمل الجمعيات” أو ما يُدعى ال”NGOs” منظمات المجتمع المدني، حيث أصبح هذا المصطلح وصمة تُلصق بأي مجموعة تسعى لكسب المال غير المشروع.

سناك سوري-ناجي سعيد

وما يعنيني بهذا الموضوع، هو المُصطلح الذي لم يجد أحد بديل عنه، سوى المصطلح التخويني: “هودي عملا سفارات”! فالاسم يُطلق عليهم باللغة الأجنبيّة، وحتمًا، يُفهم معنى هويّتهم من مصدرها وهو اللغة التي تفرض مُصطلحات دخيلة على الهويّة الوطنيّة. فمدير المشروع هو ال Project manager الذي يقود سيارة جديدة بلوحة سياحيّة، ويحمل هاتفين أو أكثر مع لوغو الجمعية المغناطيسي المُلصق على السيارة. وهذا خير دليل على فقدان الهويّة الوطنية الذي من المُفترض على كلّ شاب أن ينتمي لها.

اقرأ أيضاً: منظمات المجتمع المدني والشائعات – ناجي سعيد

فما ذكرته يبعد كلّ البعد عن الهويّة. والهوية ليست الإهتمام بالسلوكيّات الشكليّة، حتّى لو كانت الهويّة أعمق من ذلك، فبرأيي من الضروري (وهذا مفقود) أن يتمسّك المواطن بعماد هويّته. وأعتقد أن الهويّة عمادها اللغة. مع احترامي لكثيرين ينطقون في جملة واحدة اثناء محادثاتهم مصطلحات بأكثر من لغة، تمامًا كما أغنية شربل روحانا: “هاي، كيفك؟ سافا.” فما اعتادوه هو مصطلحات يستخدموها في مجال عملهم، ولا يقصدون الإساءة إلى هويّتهم الوطنيّة، “It seems like normal issue”!! ومن هنا نربط ببداية الحديث عن هدف الاستعمار، هل المقصود تدمير الهوية من خلال إدراج لغة غريبة عن لسان المواطن؟.

يعتقد البعض بأن الهوية هي مجرّد بطاقة ممغنطة تخفي الانتماء الطائفي المذهبي! لا بالطبع فالهويّة قد تقتل من يقتطع جزءًا منها ليتمسّك به! فالهوية هي كالحقيقة عن جلال الدين الرومي: مرآة بيد الله وقعت وتشظّت، أمسك كلّ شخص قطعة وظنّ نفسه يملكها كاملة! يظنّ البعض بأنّ الملابس الجميلة المرتبة هي هويته، ويحب أن تكون من ماركة جيّدة. والبعض يعتقد هويّته الكلمة التخوينيّة للآخر والسلاح الذي يحارب الأعداء! مع التأكيد أن محاربة الأعداء في فلسفة اللاعنف هو باستخدام لغة جميلة مُحبَّة للآخر، فيكفيك لتدافع عن وطنك أن تقول “صباح الخير لجارك”، لا أن تلقاه عابسًا مُكشّرًا!.

نعم إن لغتي العربية هويّتي، لأني أُجيد أستعمالها، فلا أنطق بكلمة في غير موضعها. لأن الخطأ في اللغة لا يضرّ فقط في الطلب بل في التعبير عن المشاعر والحاجات والرغبات. فمن لا يعرف قصة المقولة الشهيرة: عذر أقبح من ذنب. حين قرص الخادم ملِكته، وحين غضب الملك منه وسأله قال: لقد ظننتها الملك!!!.

ولا بدّ من التعرّج إلى مفهوم الاستعمار. لنعرف كيف يسعى الإستعمار لهدم الهويّة لأي وطن ضعيف! فبعد أن تحاصصت الدول الكبرى تركة الاستعمار العثماني على الشكل التالي: استيلاء فرنسا على غرب سوريا ولبنان، استيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكّا وحيفا في فلسطين. لأيقنّا أن هذا الاستعمار الواحد -ولو تعدّد مرتكبوه- كان على يقين مُسبق بزواله بعد فترة قصيرة زمنيًّا، ولكنّه زرع استعمار لغوي في هويّة أول ما يظهر منها الأحرف والكلمات الأجنبية التي تعكس صورة حضارتهم الاستعمارية، لتقتل أصالة لغة عربية تخدم هم التواصل اللاعنفي المنشود.

فاللاعنف الحقيقي يبدأ بصباح الخير الرائع لجاري الجميل الذي أشاركه الخير واللاعنف. ولا أستعرض لغة أجنبية أعرفها ولا يعرفها سائق التاكسي، فأقول له “سلّم ديّاتك عمّ” ولا أقول: Merci monsier.

اقرأ أيضاً: العين مش بالعين وإلا العالم سيصبح أعمى – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى