هل نحن محكومون بالاختيار من نفس السلة الفاسدة؟
عن حل مجلس مدينة اللاذقية بعد أقل من عام على الثقة به
سناك سوري – أنس جودة
حل مجلس مدينة اللاذقية بعد فترة وجيزة من ولايته مثال مصغر واضح وصريح عن فشل التعيين بالولاء عبر القوائم المغلقة والروافع الحزبية، فالملفات التي يتم تداولها حول سبب حل المجلس رهيبة قياسا للفترة الزمنية القصيرة التي تولاها مجلس مدينة نالت الغالبية المطلقة من أعضاءه ثقة القيادة الحزبية ومباركتها.
العذر دائما موجود وهو أن ” الأوادم” لايريدون دخول هذا المجال وأننا مضطرون لترشيح الاسماء المتداولة، بمعنى آخر نحن محكومون دائماَ بالاختيار دائماً من نفس السلة الفاسدة. وهذا العذر مردود على مروجيه فالانتخابات المحلية كانت فرصة ذهبية لدخول عقول طاقات شابة وخبيرة معترك الشأن العام لكن القوائم المغلقة والنجاح بالتزكية أغلق الباب أمام أغلب ” الأوادم” نتيجة عدم قدرتهم على منافسة هذا الاكتساح ولم ينجو منه إلا النزر اليسير من المقاتلين الذين لايملكون القدرة ولا الأدوات المناسبة لتحقيق غاية وجودهم ضمن هذا المعترك وهي الرقابة وتصويب الأمور باتجاه المصلحة العامة.
ماجرى في اللاذقية مثال صغير عن التعاطي مع الشأن العام فمن يأتي بثقة القيادة يكون ولاءه لها فقط، وقد يكون هذا طبيعيا في الحياة السياسية بشكل عام حيث ترشح الأحزاب وتدفع بمن هو مؤمن ببرامجها ويسعى لتنفيذ خططها، ولكن في مجتمع نخره الفساد حتى العظم يكون للولاء والمحسوبية معانٍ أخرى أبعد ماتكون عن الخطط والرؤى والبرامج التنموية.
أصبحت مشاركة المجتمع في صناعة القرار وتنفيذه والرقابة عليه ضرورة حتمية أمام اجتياح الفساد وسوء الإدارة لمفاصل حياتنا اليومية. فدائما ماكانت العلاقة المجتمعية بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني مختلة لصالح طرف أو طرفين على الأكثر، فتمركز الثقل عند الحكومة يؤدي لسوء التخطيط وانعدام الرقابة وعدم القدرة على التنفيذ، بينما تصبح الشراكة الثنائية بين الحكومة والقطاع الخاص في غياب رقابة المجتمع وصفة فعالة للفساد والاحتكار. لهذا فإن بناء الأوطان يحتاج لصيغ مستحدثة ومتطورة من الشراكة بين الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص، صيغة علاقة تكاملية تعطي لكل طرف في هذه المعادلة مساحته وقدرته على الضغط والتنفيذ وبهذا يتم الوصول للتنمية المتوازنة المستدامة وتحقيق مشروع النهوض والمصالحة الوطنية.
اقرأ أيضاً بناء الاستقرار على رمال متحركة – الجزء الأول
إن المجتمع المدني المتمثل في المستقلين والناشطين وأي شخص أو مؤسسة تحمل الهم العام، مطالب اليوم أيضا بالنهوض والتحدي والعمل في كل المفاصل التي يمكنه تحريكها وإزالة الصدأ عنها، في المؤسسات والإدارات والنقابات والاتحادات وكل مداخل الشأن العام، والسلطة السياسية والحكومة مطالبة أيضاً بتشريع المظلات القانونية وفتح المساحات الفعلية لوجود هذا الطرف المراقب والفاعل، فمسؤولية مكافحة الفساد والنهوض الوطني وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليست مسؤولية طرفٍ واحد وهو غير قادر في كل الأحوال على القيام بهذه الأعباء والمهام الضخمة لأسباب ذاتية وموضوعية في آن معاً.