هل الانسان شرير بالفطرة؟
هل الانسان شرير بالفطرة؟
سناك سوري-ناجي سعيد
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، لا أريد الجدال أو النقاش في معنى هذه الآية بالطبع، ولكن سؤال يُحيّرني: ما المقصود من قوله تعالى (..ما بأنفسهم)؟ فـ”نفس” الإنسان قد تكون روحه، والروح هنا تطال المُستوى النفسي الذي يربط الإنسان بجسده، حيث إثبات وجود شخصيّة الإنسان مرتبط بالعلاقة بين جسده وروحه.
وهذه العلاقة تمامًا هي المستوى النفسي على ما أعتقد، فالإنسان حين يعاني من خلل بالعلاقة بين روحه وجسده يُقال عنه مريض نفسيًّا، ويُقال عند بعض المُجتمعات وبلغة شعبية عن المغرور والمُدّعي “نفسيّة”، هكذا كلمة بمفردها تُشير إلى خلل على المستوى النفسي.
والسؤال البشري المُحيّر والصعب الفهم، هو كيف أن خالق البشر (وهو سيّد المصائر ومُحرّك الأقدار) يعطي مفتاح التغيير للناس (حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم) وهو المُتحكّم بهذا المفتاح. كمن يمنح الحُريّة لعصفور بعد أن يربطه بخيطٍ محدّد الطول. وكيف لنا أن نعرف حجم الثقة التي وضعها الخالق في المخلوقات، إلاّ لو تأكدنا من صوابية استخدام كُلّ فردٍ مخلوق عقله. وعلميًّا العقل هو الطاقة التي يُنتجها الدماغ، والغذاء لهذه الطاقة يُنتجه مصدرُ الحنان والعاطفة الإيجابيّة اللذين يضمنان الأمان، والذي بدوره (أي الأمان) يحمل مسؤوليّة وجوده وحضوره البيئةُ الحاضنةُ للإنسان على اختلاف مشاربها.
هناك قول للدكتور “وليد صليبي” [1] يرى فيه أن «صفعة صغيرة على وجنة طفل، هي صفعة كبيرة للديمقراطية في كل أوان». وامتداد الآية القرآنية يتجسّد من خلال تربية سليمة وآمنة. فالله يُغيّر ما بأنفس القوم، إذا أرادوا هم. ونذهب هنا في منحى فلسفي وجودي، يشير إلى صدق وصفاء نوايا الخالق على حجم إدراكنا البشري بالطبع بتفسير معنى الإرادة هذه والمذكورة بالآية القرآنيّة، والتأكيد هنا يفيد خير الإنسان بالطبع. فلا يمكن لخالق أن يضمُر في معاني الآيات -التي أنزلها بالوحي على النبيّ- شرًّا لمخلوقاته. وبهذا المعنى يلتقي كلام الوحي مع الفكر الفلسفي، وتحديدًا الفلاسفة والمفكّرين اللاعنفيين، الذين يعتقدون بالطبيعة الخيّرة للإنسان.
وفي مسار مُشابه نجد أن البعض وفي مقال قرأته قبل فترة يقول كاتبه إنّ «الله أعطاهم عقولًا، وأعطاهم أدوات، وأعطاهم أسبابًا يستطيعون بها أن يتحكموا فيما يريدون؛ من جلب خير أو دفع شرّ، وهم بهذا لا يخرجون عن مشيئته كما قال تعالى: “لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]». وفي هذه الآية نجد استباق مشيئة الله على مشيئة الإنسان. والطبيعة الخيّرة للإنسان هذه، يُعمل بها من قبل الناس كافةً. فلو كان أحدهم ذو تفكير علمي (لا يؤمن إلا بعد التجربة العلمية) ولو كان يحمل تفكيرًا غيبيًّا، فالنمطان من الناس لا يرفضان الإرادة الخيّرة. والتركيز إذًا، على الطبيعة العاطفيّة للإنسان التي تُعطي دفعًا للجانب العقلي الذي يمسك الدفّة في اتّخاذ القرارات. فما يتلقّاه الإنسان من الإنسان الآخر عند التواصل معه، السلوك الظاهر بدءاً من لغة الجسد الخارجية الواضحة للعيان في حال اختلاف اللغة بين الطرفين المُتواصلين، ثمّ بالدرجة الثانية التواصل اللغوي المُشترك بين اثنين يحملان اللغة نفسه. والتساؤل هنا يأخذ منحى إشكال حقيقي، لو تعمّقنا في فلسفة التواصل وطبيعة مسارها (خير أم شرّ؟).
الإستنتاج الذي يخلُص هنا، قد يكون بمثابة “حُكم مسبق” من الخالق -رغم أن ظنّه خيرًا بالطبيعة البشرية- قد يعزّز الثقة بين الناس بعد أن يثقوا بخالقهم. وبالتالي فإنّ الإنسان الشرّير ليس شرّيراً بالفطرة، لكنّه شخص لم تسمح له الظروف بتغذية مصدر طاقة دماغه العقلية من “الأمان”، وذلك أفقده الثقة بالخالق والمخلوقات، فأصبح مُتطيّرًا، يسيء الظنّ بأي شيء، والمثال عن هذا في تاريخ الأدب العربي عن الشاعر ابن الرّومي المتشائم المُتطيّر جدًّا والذي يسأل خالقه في قصيدته الرثائية لابنه وفي أحد الأبيات يشمّ القارئ رائحة الشك وعدم الثقة بقبول القدر الإلهي:
” توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي …. فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ”
[1] وهو من مؤسّسي جامعة أونور (الأكاديمية العربيّة للّاعنف وحقوق الإنسان في العالم العربي).اقرأ أيضاً: الحرية مسألة لاعنفية .. ناجي سعيد