“نوى”.. العذراء المستجيرة بأصحاب النخوة
نعم نحن في “نوى” نريد أن نمد يدنا إليك أيها السوري بالمصالحة، لكننا نحتاج ضمانات، نحن في “نوى” نريد أن نقبل رؤوس أطفالنا كل ليلة دون أن نشك بأنها قد تكون المرة الأخيرة.. ببساطة نريد نزع رداء الحرب عن كاهل قلوبنا السوداء.
سناك سوري-عمران أحمد
تنام “نوى” اليوم على صوت الرصاص حيناً، وأخبار الخطف والقتل أحياناً كثيرة، ونغفو معها بربع عين وقلب ميت، إنها الحرب التي مذ دخلت مدينتي اسود وجه الحياة فيها.
أجلس قبالة نافذة بيتي، أتكئ عنوة على كرسي خشبي قاسي، هو ليس بقساوة الحياة هنا، لكنه يساعدني على عدم النوم ليلاً والسهر لأطمئن أن أسرتي ستستيقظ في الصباح ولن تطيح بها غارة أو تبادل أحمق لرصاص الفصائل، أقبل رؤوس أطفالي كل ليلة وكأنها القبلة الأخيرة، نعم لا أحد يدري ماسيحدث لاحقاً، إنها الحرب وكل الاحتمالات فيها ممكنة.
اقرأ أيضاً: هل سمعتم بالقراطيس؟ … نحن عرفناها!
يتبادر إلى ذهني كل ذلك التاريخ الذي شهدته المدينة، التاريخ الذي أهداها الإمام “محي الدين النووي” هذا الرجل الذي من قداسته كان العابرون للمدينة يخلعون نعالهم رهبة واحتراماً، اليوم الرصاص لا يحترم أحداً ولا حتى براءة طفل أو كهولة شيخ، حتى ضريح الإمام لم يحترم، لقد فجر تماماً، وجميعنا نعلم الفاعل إنهم الغرباء الذين دخلوا مدينتنا بنعال ملوثة بالدم وفكر ملوث بالحقد.
تاريخ آخر شهدته المدينة بعهد المجاهد “مطلق الذيب” الذي أذاق الاحتلالين العثماني والفرنسي الويل والويلات، هي نفس الويلات التي نتجرعها اليوم فـ “الذيب” رحل بفكره المقاوم، وبقينا نحن بفكرنا المتطرف تارة والقمعي تارة أخرى، والضحايا أيضاً هم نحن، المعادلة تبدو مستحيلة الفهم لكنها للأسف ليست مستحيلة الحدوث، فقد وقعت وقضي الأمر.
أجل أنا من “نوى” نواة القلب والموت، هي نواة كل شيء في الكون، أنا من “نوى” التي كانت من أولى المدن التي خرجت دعماً للحرية، والتي ستكون أول المدن التي تخرج مطالبة بعودة الحياة والمصالحة انطلاقاً من واقع يتحدث عن موت أكثر من 30 مدنياً في “درعا” بشكل شهري نتيجة الانفلات الأمني الذي عجزت الفصائل عن ضبطه وربما ساهمت بقصد أو دون قصد.
نعم نريد المصالحة، نريد مد أيدينا إلى ذلك السوري الذي اختلفنا معه سابقاً، نريد صفحة جديدة، لكنا نريد بادرة ثقة، آخر مرة سلم عدد من الشبان أنفسهم للحكومة بدعوى المصالحة، لم نسمع عنهم شيئاً منذ عدة سنوات، نحن متخوفون، لا مفر أمامنا إما الموت أو الموت، وحدها المصالحة التي تتحدثون عنها قد تكون سبيلنا الجديد للحياة، لكن ما الضمانات التي ستقدمونها لأولادنا وشبابنا.
اقرأ أيضاً: في حوران اليوم.. صارت دبكة “الحبل المودع” محرمة شرعاً
“نوى” اليوم غارقة بالمصيبة حد الوجع، لا أحد ينتشلها من براثن الموت والخطف والنزوح، إنها تحتاج سنداً وكتفاً تتكئ عليه، بعدما فجروا مقام إمامها، تحتاج قوة تنجدها بعدما غاب مجاهدها “الذيب”، تحتاج إلى الكثير من الإنسانية بعد أن سفكتها الحرب، تحتاج إلى شخص جدير بالثقة تسلم له نفسها، كما العذراء المستجيرة بأصحاب النخوة، تحتاج أن تعود نواة كل شيء جميل كما كانت.