أخر الأخبارالرئيسيةتقاريرشباب ومجتمع

نساء بلا خصوصية.. حين تتحول الحياة مع عائلة الزوج إلى سجن منزلي

تفرقهم الجغرافية وتجمعهنّ المعاناة.. حنان وربا ورؤى ثلاث نساء بلا مساحات خاصة

تغيب الخصوصية الشخصية والزوجية عن حياة “حنان” 39 عاماً، والتي تعيش مع عائلة زوجها منذ زواجها قبل 5 أعوام، وهي اليوم أم لطفلين ما يزيد من تعقيدات الحياة بالنسبة لها.

سناك سوري-داليا عبد الكريم

كان الاتفاق بين حنان وزوجها ألا تتجاوز مدة الإقامة لدى الأهل سنة واحدة، لكن ظروف الحياة التي ازدادت تدهوراً بعد عام 2019، حالت دون تحقيق الهدف، تقول “حنان”، وتضيف لـ”سناك سوري”: «كانت الفكرة أن نؤجل الإنجاب قليلاً، ومن ثم يجد زوجي عملاً آخر بعد وظيفته الحكومية ونتمكن من استئجار منزل، لكن الإيجارات ارتفعت كثيراً بعد ذلك».

لا يتجاوز الراتب الشهري لزوج حنان الـ340 ألف ليرة، وهي تعمل كربة منزل، كما أن سيارة الأجرة التي ضمنها ليعمل عليها بعد الظهر، لم تكن تدر النقود أبداً، فمع استمرار ارتفاع سعر البنزين لم يعد للتكاسي زبائن كثر.

عانت “حنان” التي تعيش في اللاذقية، كثيراً من غياب الخصوصية، فغرفة نومها ملاصقة لغرفة نوم والد زوجها ووالدته، ولم تشعر يوماً بالراحة خلال ممارسة العلاقة الزوجية، لدرجة أنها لم تكن تستطيع الاستحمام حتى صباح اليوم التالي من العلاقة، وتزداد معاناتها خلال أيام دورتها الشهرية، التي تحرص على عدم معرفة أحد بها، وهذا ما يكلفها طاقة كبيرة، تقول: «لما فوت على الحمام مع كيس النايلون اتلفت حواليي، ولما اطلع كمان نفس الشي، كنت حس حالي وكأني عم أسرق، كمان ماكنت قادرة عبر عن آلامي براحتي».

لما فوت على الحمام مع كيس النايلون أتلفت حواليي، ولما اطلع كمان نفس الشي، كنت حس حالي وكأني عم أسرق، كمان ماكنت قادرة عبر عن آلامي براحتي حنان سيدة تعيش مع عائلة زوجها

يزداد الأمر سوءاً حين يجتمع أشقاء وشقيقات زوجها في المنزل الصغير، لتمضية عطلة نهاية الأسبوع، وتجد نفسها في حرج أكبر، مع كثير من التدخلات في شؤونها شعرت بها أول مرّة حين اكتشفت حملها وأرادت إجهاض طفلها، ريثما تستطيع امتلاك أو استئجار منزل، لكن والد زوجها ووالدته تدخلا وأقنعا ابنهما بالعدول عن الفكرة، وبالفعل فرض عليها إنجاب الطفلة التي تبلغ من العمر اليوم 4 سنوات ونصف، ولا تستطيع الأم معاقبتها أو توجيهها لأن الجميع سيتدخل ويقف بوجهها: “اتركيها هي طفلة بكرة بتتعلم”.

للأسف لا تمتلك حنان اليوم أي بارقة أمل بالخروج من منزل عائلة زوجها، فالأوضاع المعيشية سيئة وارتفاع الإيجارات كبير، وشراء منزل أمر مستحيل حتى بالحلم.

ميزة رئيسية

ترى “ربا” 35 عاماً من مصياف بريف حماة، أن للحياة مع عائلة الزوج ميزة رئيسية في هذا الوقت، وهي تقليل العبء المادي، لكن السيدة التي تعيش مع عائلة زوجها منذ 12 عاماً، لا تخفي صعوبة الحياة، خصوصاً لناحية غياب الخصوصية خصوصاً خلال العلاقة الحميمية.

الأمر الآخر الذي تعاني منه، هو حين تضطر والدة زوجها لدخول الحمام، فتقوم “ربا” بالخروج مباشرة والسماح لها بالدخول، كونها تعاني وضعاً صحياً لا يسمح لها بالانتظار.

وتضيف لـ”سناك سوري”، أن خصوصيتها محفوظة بالحد الأدنى، مثلاً لا أحد يدخل عليها غرفتها دون استئذان، لكنها بالمقابل مضطرة لالتزام سلوك معين مع زوجها، كأن تكبت غضبها لئلا تفتعل مشكلة معه أمام الجميع، ما يؤدي إلى تطورات خطيرة، بينما لو كانا يعيشان بمفردهما لما فعلت ذلك ولما خشيت من تطور الأمور، فالمشاكل أمام العائلة دائماً ما تكون عرضة للتصعيد بخلاف حين تكون خاصة، على حد تعبيرها.

“ربا” التي تعمل كمصففة شعر، فكرت كثيراً بالاستقلال لكن الظروف المادية دائماً وقفت عائقاً، فكل ما تجنيه مع زوجها بالكاد كافٍ لمصاريف الحياة، على الرغم من عدم وجود أبناء لديهما.

تضطر ربا لالتزام سلوك معين مع زوجها، كأن تكبت غضبها لئلا تفتعل مشكلة معه أمام الجميع، ما يؤدي إلى تطورات خطيرة.

الحياة مع عائلة الزوج أشبه بالموت البطيء

تتعرض “رؤى” 26 عاماً من ريف درعا، للعديد من المواقف المحرجة في منزل عائلة زوجها الذي تعيش فيه منذ زواجها قبل 11 عاماً، حين كان عمرها 15 عاماً.

تقول “رؤى” وهي أم لثلاثة أطفال أكبرهم 9 أعوام وأصغرهم 4 سنوات، إن المعاناة الأكبر مع زوجها الذي يضطر لمسايرة مجتمعه وعائلته على حسابها، فهي بنظره “الزوجة يلي لازم تتحمل”، وبنظر عائلة زوجها “هي الكنة يلي لازم تصبر وإلا بتكون عاطلة”، على حد تعبيرها لـ”سناك سوري”.

«الحياة مع عائلة الزوج أشبه بالموت البطيء»، تقول الأم الشابة، وتضيف أنها حُرمت من “اهتمام زوجها بها” ولو بأبسط الكلمات أو المواقف لأنه يخجل من عائلته، كذلك فإنها مضطرة للمسايرة كي لا تكون “الزوجة غير المطيعة”، على حد تعبيرها.

فكرة الخروج والاستقلال بعيداً عن العائلة موجودة منذ زمن بعيد، بحسب “رؤى”، لكن الظروف المادية تقف عائقاً دائماً، مشيرة أنها استسلمت للأمر الواقع، وفكرة الطلاق غير واردة إطلاقاً لأن أهلها لا يسمحون لها مجرد التفكير بها.

بينما تحاول “حنان” و”ربا” و”رؤى” التأقلم مع واقعهنّ الصعب، يبقى غياب الخصوصية أحد أكثر التحديات التي تواجه النساء اللواتي يعشن مع عائلة الزوج، وفي ظل الظروف الاقتصادية الخانقة، تتحول الاستقلالية إلى حلم بعيد المنال، ما يفرض عليهنّ التأقلم مع قيود اجتماعية ونفسية تؤثر على حياتهنّ الزوجية والشخصية.

ومع غياب الحلول الفعلية التي تتمثل بتأمين منزل مستقل عبر إطلاق القروض السكنية وتحسين المعيشة لتتمكن العائلة من دفع الأقساط، تبقى هذه القصص مجرد نماذج لمعاناة يومية تعيشها العديد من النساء، حيث تتحول البيوت المشتركة إلى مساحات مزدحمة بالجسد، لكنها موحشة بالمشاعر.

أنجزت هذه المادة بالتعاون مع ناديا المير محمود وهدى الحراكي

زر الذهاب إلى الأعلى