نجاح العطار منعوها من التدريس في الجامعة كونها امرأة فأصبحت وزيرة
شكلت ثنائياً أدبياً مع حنا مينة... وأدارت وزارة الثقافة 23 عاماً

أرجو أن يعرفني القارئ من خلال ما أكتب كلماتنا هي مفتاح شخصيتنا وإن لم تكن هي المفتاح فمعنى هذا أننا قد ضربنا سـداً بيننا وبين الناس، وتسلقنا على الكلمات كي نحقق شيئا من شهرة تَسَلُّقِيَّه بدورها. قل عني أنني جديدة وطموحة في عالم الأدب وحسبي بذلك تعريفا.
سناك سوري – دمشق
كانت هذه الكلمات والأمنيات التي تسعى إليها الكاتبة “نجاح العطار” والتي باحت بها في حوار لمجلة “الأقلام” ١٩٧٤. لكنها مالبثت بعد 3 أعوام من هذا الحوار أن تولت وزارة الثقافة السورية التي بقيت فيها 23 عاماً. وقد تركت الوزارة أثراً بشكل أو بأخر على نتاجها الأدبي. فرغم حبها للشعر والقصة والمسرح إلا أن ما كتبته في هذه المجالات كان قليلاً واتجهت غالبية كتاباتها نحو الدراسات والنقد.
تقول في نفس الحوار الذي رصده موقع سناك سوري في أرشيفها:«أنا أكتب لا لمجرد الكتابة، بل حين يكون لدي ما أقول. أخطط كما يصنع غيري، وأتمنى أن يتاح لي التنفيذ. أعد دراسات عن الشعر والقصة، وبودي لو أحقق حلماً قديماً في كتابة مسرحية تحمل بعض رؤاي، وأنوء بالتفكير فيها منذ زمن بعيد».
من هي نجاح العطار؟
ولدت الدكتورة “نجاح العطار” في “دمشق” عام ۱۹۳٣، وهي أصغر إخوتها. وقد نشأت في بيئة علم فوالدها “محمد رضا العطار” من رجال القضاء الشرعي والعدلي. وكان رئيسا لمحكمة الجنايات ومحكمة التمييز وله ولع بالأدب وقدرة على ارتجال الشعر. كما كانت الأسرة تعقد ندوات عائلية لقراءة صفحات من “العقد الفريد” أو شعر “المتنبي” وتاريخ “الطبري” أو بعض نصوص “الأغاني”. وكثيراً ما كان الأولاد يطرحون أفكارهم الجديدة فيما يخص “الثورة العربية الأولى” على والدهم الذي عاشها.
كما أنها شقيقة “عصام العطار” المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا منذ ثمانيات القرن الماضي.
اشتركت “العطار” كمعظم الطلاب والطالبات في أيام الدراسـة بالإضرابات والمظاهرات ضد المحتل الفرنسي وتأييداً للثورة الفلسطينية. حصلت على البكالوريا عام ١٩٥٠، وفي عام ١٩٥٤ تخرجت من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة “دمشق”.
الخطوبة والسفر
وفي عام التخرج تمت خطبتها وسافرت بعد عام مع زوجها الدكتور “ماجد العظمة” للتخصص في بريطانيا، هو في الجراحة وهي في الآداب. وهناك دخلت جامعة “إدنبرة” ونالت منها شهادة الأدب بعد ثلاث سنوات، وحصل زوجها على شهادة الاختصاص بالجراحة.
اقرأ أيضاً: غادة السمان لـ: كوليت خوري: عودي فرفيقاتك القديمات مثلي يفتقدنك
وبعد عودتها إلى “دمشق” وجدت طريق التدريس في الجامعة مغلقاً في وجهها لكونها امرأة ، فدرَّست لثلاث سنوات في التعليم الثانوي. وانتقلت بعدها الى وزارة الثقافة والإرشاد القومي لتعمل في مديرية التأليف والترجمة التي ظلت بها حتى أصبحت مديرتها. وكانت في هـذا المنصب عندما تولت وزارة الثقافة والإرشاد القومي في ٨ آب ۱۹۷۷.موقع سناك سوري.
العطار واجهت تمييزاً سلبياً للمرأة
ما عانته “نجاح العطار” من رفض لدور المرأة في المجتمع دفعها في مرحلة مبكرة لكتابة مقالات تحت “اسم مستعار”. وقد ردت في مقالاتها على بعض الذين يهاجمون “المرأة” في الصحف اليومية. وفي مرحلة لاحقه وقعت عدة مقالات باسمها الصريح وكان منها مقالة بعنوان “المرأة والنقد والكلمات الحجارة” المنشورة في مجلة “المعرفة” عام 1973.
تقول في هذه المقال عن النظرة الذكورية لأدب المرأة :«ولنبدأ بالمرأة أولاً، تلك التي زعموا في التاريخ – تاريخنا – أنها لعبة، وأنهـا مسـلاة “لطفل” اسمه الرجل. فنقلوا إلينـا مُحَرِّفين أو مجتهدين، العبارة الشهيرة القائلة بأن “النساء لعب الرجال” وجهدوا لاقناعنا بأن ذلك ما كان، وما يجب أن يكون».موقع سناك سوري.
اقرأ أيضاً: قيادي إسلامي معارض: يدعو بالشفاء للسيدة أسماء الأسد
لم تكن “العطار” تهادن في قضايا المرأة، فكتب في مقالها:«لاحظت، بكثير من الإشفاق أن نظرة الدمية إلى المرأة، هي ذاتها نظرة الدمية إلى أدب المرأة. فالسادة الرجال يبهرهم أن تكتب المرأة كتابة جيدة. يعتبرون ذلك ظاهرة، وتزداد دهشتهم أمام هذه الظاهرة إذا كان ما تكتبه ينطوي على قدر من فكر، وقدر من مطاوعة الأسلوب في أداء هذا الفكر، فيروحون، في كرم مبالغ فيه، يثنون عليها، ويمتدحونها حتى يدخلوا الغرور إلى نفسها، ويخنقوها بالأنشوطة التي خنقوا بها أنفسهم».
وتضيف قائلة: «وقد لا تصرخ كما صرخ محمود درويش: “ارحمونا من حبكم القاسي”، ذلك أنها فيما كتبت، تعرف أنها في البدايات لما تطمح أن تكون، فيما يليها. غير أن كلمات الثناء التي سمعتها المرأة وتسمعها، كافية وحدها، لولا الكفاح ضدها، لأن تجعلها تقتنع أن ما كتبت هو ذروة ما يكتب! إن ذلك لا يجلب سروراً كبيراً للكاتبة الجادة، ولئن حمل بعض السرور فإنه لا يفيد وهي تعرف هذه الحقيقة، ومن أجلها تحب لكلمات المديح أن تتنازل عن مواقعها لما هو أجدى: الإنصاف، والموضوعية، والجدية».
ثنائية مع حنا مينة
شكلت “العطار” ثنائياً أدبياً في تجربة لافتة مع الروائي السوري “حنا مينة” وقدما دراسة بعنوان “أدب الحرب”، كما اشتركا عام 1976 في كتابة مجموعة قصصية عنوانها “من يذكر تلك الأيام” ومن أشهر مؤلفات العطار :« “النسيج الثوري بين آذار وتشرين”، “نكون أو لا نكون”، “أسئلة الحياة”، “كلمات ملونة”، “من مفكرة الأيام: مقالات وذكريات”».
اقرأ أيضاً: حنا مينة.. عرفت البحر ومدن البحر أكثر مما عرفت دمشق
في حوار مجلة “الأقلام” تحكي “العطار” عن عودتها للكتابة بعد توقف لأعوام قائلة:«انطلاقاً من إيماني بالكلمة، التي هي نسيج حلم وصيحة احتجاج، عدت الى الكتابة بعد توقف دام سنوات، كنت خلالها أنظر فيما حولي وفي داخلي، وأراجع أفكاري وقناعاتي في ضوء المعطيات الجديدة للحياة وللفكر على السواء. ولقد اكتشفت أن الحيـاة في مجرى التقدم، تقدمية بالضرورة، وأن الأدب حين يُعبّر عن هـذه الحياة بصدق فهو يعبر عن طابعها التقدمي بالضرورة أيضاً. وما دمت أحيا فأنا مسؤولة أمام الحياة، أمام المستقبل، وعليَّ أن أسهم في صنعه بمقدار ما أملك طاقة ولو متواضعة».
يذكر أن “نجاح العطار” تشغل منذ العام 2006 منصب نائب الرئيس السوري للشؤون الثقافية وهي أول إمراة تشغل هكذا منصب في العالم العربي. وهي حائزة على وسام “أمية الوطني ذا الرصيعة” والذي قلدها إياه الرئيس السوري بشار الأسد في 31/10/2022.