منظور للتنمية (1)- مازن بلال
عن التنمية وتوطينها محلياً في سوريا
سناك سوري – مازن بلال
في عام 1949 وخلال تنصيب الرئيس الأمريكي هاري ترومان، أشار إلى الوضع في أمريكا اللاتينية وباقي دول العالم الثالث، معتبرا أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثاني نقطة تحول عالمية مع امتلاك “الإنسانية المعرفة والمهارة لتخفيف معاناة هؤلاء الناس”، وهذا التوجه شكل بداية ظهور التنمية بشكلها المعاصر، حيث اهتمت المؤسسات الدولية التي بدأت بالظهور تباعا بهذا الموضوع ليصبح محور نشاطها عموما.
اقرأ أيضاً الجمال التنموي!!! – مازن بلال
عمليا فإن التنمية مفهوم عملي لذلك ليس غريبا أن يصبح جزءا من تكوين النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وإذا كانت “كتلة الغرب” أعطته سمته الحالية فـ لأنها تعاملت معه وفق عملية الاندماج في عجلة الاقتصاد الدولي، بينما سارت مجموعة ما كان يعرف بـ”الكتلة الشرقية” نحو رسمه على شكل صراع طبقي ضد الفقر، ففي حالة دول الاقتصاد الحر كانت المسألة تعبر عن حالة تكيف اجتماعي واقتصادي، بينما في الاقتصاد الموجه فإن النمو كان يعني “التغيير الاجتماعي” الذي يشكل عمق التنمية.
إن التفاصيل التي رافقت مفهوم التنمية ضرورية اليوم لقراءة الإطار العام للتنمية في سورية، لأن ما حدث هو أن “علوم التنمية” كانت ضمن سياق نشأ في الغرب وليس في مدرسة الاقتصاد الموجه، وهذا الأمر لا يعني أن النظم الاشتراكية لم تتعامل مع هذا المفهوم، لكنها اعتبرته جزء من تكوين الدولة ومن إيديولوجية التغيير، بينما قدمت جمعية دراسات التنمية في بريطانيا (DSA) معظم الدراسات والخبراء الذين يعملون حاليا في هذا المجال، وهم بالعموم منتشرون ما بين منظمات الأمم المتعددة أو الهيئات الاقتصادية الدولية.
اقرأ أيضاً اللاجئون كشرط تنموي – مازن بلال
المشكلة الأساسية التي نواجهها في سورية في مسألة التنمية هي أنها وليدة تجارب تملك سياقات مختلفة، ومعظمها ظهرت لاعتبارات دولية متعلقة بالمنافسات العالمية منذ عام 1960، وهذا التاريخ أساسي لفهم الارتباط الوثيق بين التنمية وطبيعة النظام السياسي الدولية، حيث بدأ النظر إلى التنمية بشكل متكامل وليس وفق منظور اقتصادي فقط، حيث دخلت إليه الفعالية السياسية ومسائل التعليم وغيرها، وهذا الأمر فرض أيضا نموذجا عاما لدول العالم الثالث، ولكنه لم يستطع النفاذ بقوة إلا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما أصبح العالم يعمل ضمن إطار اقتصادي مشترك.
بالتأكيد فإن كافة أهداف التنمية دوليا لم تتحقق، فهناك نماذج إن صح التعبير يتم اعتمادها كمعايير في العملية التنموية، بينما أدت بعض المحاولات في دول أخرى إلى فشل دفع نحو التفكير بصياغة الكثير من عوامل التنمية من جديد، ونحن هنا لا نحاول رسم قاعدة لنجاح عمليات التنمية لكنها بالتأكيد أصبحت مرتبطة بنماذج سياسية محددة، وباقتصاديات خاصة والأهم بعلاقة ضمن اتجاه واحد مع الأسواق الدولية.
التنمية نشأت منحازة بمفهومها وفق شكل ليبرالي بالدرجة الأولى، ولكنها كمفهوم فعال يمكنها التشكل دائما مع سياقات سياسية جديدة ومع اقتصاد متحرك عموما عالميا وحتى محليا، وهو ما يجعلها مغرية إلى حد بعيد، وتتطلب النظر إلى مسيرتها في سوريا ربما منذ الاستقلال وصولا إلى اليوم، فالتجارب السورية مهما كان حكمنا عليها ضرورية لأنها ستساعدنا مستقبلا على توطين هذا المفهوم.
اقرأ أيضاً الصراع على.. القمح – مازن بلال