ممدوح عدوان… حكاية القصيدة الأولى
كيف كتب “عدوان” أول قصيدة حديثة، ولمن أهدى أولى قصائده؟
سناك سوري – عمرو مجدح
في العام 1964 نشرت مجلة “الآداب” أول قصيدة ألفها الطالب في جامعة “دمشق” يومها “ممدوح عدوان” والتي أهداها لصديقه وزميل دراسته الشاعر “علي كنعان”، وفي مرحلة لاحقة وبعد ثلاثة عشر عاماً أثبت خلالها نفسه كشاعر وكاتب ونشر عدة قصائد ومؤلفات جعلته يقف على أرضية صلبة في عالم الأدب قرر أن يسرد تفاصيل القصيدة الأولى بكل جرأة ويستعرض خطواته الناشئه وخيباته من خلال المنبر ذاته مجلة “الآداب” التي احتضنت أول كلماته وعنون المقالة بـ”عقدة الآداب” في إشارة للمجلة.
يتحدث “عدوان” عن بداياته في الجامعة فيقول:«في عام 1962 جئت إلى “دمشق” طالباً في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية، كنت حتى ذلك الحين أكتب قصائد كلاسيكية في هجاء بعض رجال الدين وبعض المظاهر الإجتماعية، وقد التقيت بـ “علي كنعان” وكنا في صف واحد كان أكبر مني سناً لكنه لأسباب صحية قد تأخر في دراسته والتقينا، كان يومها أهم اسم شعري في الجامعة وخارجها، وكان هو و “خليل خوري” شاعرَي “دمشق” المبرزين، أما “علي الجندي” لم يكن يومها يثير اهتماما كبيراً، وكانت أهمية “علي كنعان” مقرونة بأنه ينشر في الصفحات الأولى من الآداب، وكان هذا امتيازاً باهراً لمجموعة من الشباب الذين يكتبون الشعر ويحلمون أن ينشروا في الآداب».
لم يكن “عدوان” في ذلك الوقت يعرف من شعراء العربية بعد” أحمد شوقي” و”حافظ ابراهيم” إلا “نزار قباني” وشعراء المهجر و”بدوي الجبل” لأن بيئته لم تكن تقدم له إلا المصادر الكلاسيكية من التراث، لكنه استطاع حسب ماكتب في مقالته اكتشاف أن “نزار قباني” يكتب شعراً على الشكل الحديث لكنه موزون، مادفعه للتوجه بسؤال : ما هذا الذي تكتبه يا “علي كنعان” ؟ قال : شعر. قلت : موزون؟ قال : نعم. تحديته ببجاحة وحاورني بهدوئه المعهود وجلسنا في بوفيه الجامعة وبين أيدينا مجلة “الآداب” لكي نقطع قصيدته “بابا نويل والموتى” وكانت القصيدة موزونة.
حتى ذلك الحين لم يكن “عدوان” قد كتب أية قصيدة حديثة، حسب ماذكر لكنه ذات يوم كان يدرس وحده في شرفة الغرفة التي أستأجرها وكانت هناك فتاة تدرس في غرفة مجاورة، ولم يكن يرى منها إلا ظلها الذي يروح ويجيء على الجانب الآخر من الشارع، كان مستمتعاً بمراقبة ظلها، وحين اطفأت الضوء للنوم بقي وحده دون ظل، يقول:«أحسست بالوحشة والفراغ ثم أحسست بتفاهتي، أجلس هنا لأرقب ظل فتاة وأنا في دمشق، ثم أحسست بفقري وبأنني لا أملك شيئاً من هذه المدينة، فجلست أكتب وجاءت القصيدة على الشكل الحديث».
اقرأ أيضاً:ممدوح عدوان كتب عن حيونة الإنسان ودافع عن الجنون … 13 عاماً على الرحيل
في الصباح راجع “عدوان” قصيدته وطار إلى “علي كنعان” الذي قرأها بهدوء حيث يقول:« أعجبته فيها بعض الأشياء وانتقد فيها أشياء أخرى، فسرّت نقده لحظتها بأنه غيرة من إبداعي، وقلت لنفسي : لماذا ينجح هذا “العلي” نحن ندرس الأدب الانكليزي معاً، وهو كطالب ليس أفضل مني، وأنا أطالع بنهم مرضي، إلا أنه ينشر في الآداب وحق ديني لابد أن أنشر في الآداب. وأنشر هذه القصيدة ذاتها، ولكنني بعد أن عدت إلى البيت شككت بقيمة القصيدة واحتفظت بها في دفتري، وظللت و”علي كنعان” صديقين حميمين مياومين، ندرس ونسهر معاً ونتناقش ونستدين ونجوع».
في أواخر العام الدراسي كتب قصيدة مناجاة لـ “علي كنعان” تحكي معاناة شابين ريفيين فقيرين في “دمشق” وفي الجامعة، ويتابع:« غافلت صديقي وأرسلتها للآداب لأول مرة وكانت مهداة إليه، فوجئت بالشهر التالي أنها منشورة وكانت فرحتي كبيرة، وفوجئ “علي” أنني أهديتها إليه وأنها منشورة في الآداب، كما فوجئ زملاؤنا في الجامعة ولكن بعضهم همس “سهيل ادريس نشرها لأنها مهداة إلى علي كنعان”، كابرت وناقشت، ولكنني بيني وبين نفسي وبعد أن قال لي “علي كنعان” أن القصيدة تحتاج إلى إعادة نظر قدّرت أن هذا قد يكون صحيحاً، وانتظرت العدد القادم لأقرأ النقد».
نقد القصيدة كان من قبل ناقد العدد “محي الدين صبحي” حسب ماكتب “عدوان” وقال:« انهال على القصيدة بشتم مقذع ومسح بها الأرض، ولكنني رغم ذلك سررت لأنه على الرغم من شتائمه، قال إنها قصيدة تمس شغاف القلب، بعد فترة أردت التأكد من أن القصيدة نشرت لأنها تستحق وليس لأنها مهداة إلى “علي كنعان، فأرسلت قصيدة بعنوان “دير ماما” اسم قريتنا وانتظرت عدداً وثانياً وثالثاً ولم تنشر، إذن هذه هي الحقيقة!».
في العام الدراسي التالي، أعلنت الآداب عن عدد خاص بالقضية الفلسطينية فأرسل “عدوان” وبعد تردد حسب قوله قصيدة تعتمد على حكاية شعبية بعنوان “السيف والصدأ” وصدر العدد الخامس وقصيدته ليست فيه، كانت طعنة مؤلمة، جاء العدد القادم وكانت القصيدة فيه بعد حين توفي السياب وحزنا عليه بحق، كتبت قصيدة بعنوان “النبي” أرسلتها للآداب أيضاً ونشرت فوراً وعلى الصفحات الأولى، وفي ذات العام سافرت قرابة عشرين يوم إلى “أندونيسيا” وعدت من هناك بقصيدة، بيضتها في الطائرة وحين وقفنا في استراحة قصيرة في مطار “بيروت” ألقيتها في صندوق البريد ونشرت في العدد القادم كان عام 1965 وكانت القصيدة الأولى التي أحس أنها نشرت دون شفاعة “على كنعان” ولا شفاعة “فلسطين” ولا شفاعة “السياب”.
اقرأ أيضاً:“ممدوح عدوان”.. الذي قال “لا” ومضى يدافع عن الجنون
وُلد ممدوح عدوان في 23 تشرين الثاني 1941، في قيرون، مصياف، محافظة حماة، سوريا. تخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، جامعة دمشق كلية عام 1966. عمل في جريدة الثورة منذ عام 1964. بدأ نشر الشعر منذ عام 1964 في مجلة الآداب اللبنانية والمجلات العربية الأخرى.
درّس مادة الكتابة المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق منذ عام 1992.