ناظم يُلقي نظرة الوداع الأخيرة.. موظفون أُجبروا على بيع سياراتهم

الكوليات كانت تكلف 3500 ليرة عام 2010 واليوم تكلف 50 ألف ليرة
سناك سوري-رهان حبيب
ودّع “ناظم” سيارته التي اقتناها منذ العام 2009، ببيعها مؤخراً جراء عجزه عن تأمين تكاليفها نتيجة غلاء قطع التبديل وتكاليف الإصلاح والصيانة المطلوبة، إضافة إلى الرسوم وكلفة البنزين الباهظة، علماً أنه اشتراها من إحدى الماركات الجيدة قبل الحرب بمبلغ لم يتجاوز الـ750 ألف ليرة مع الترسيم آنذاك.
يشارك “ناظم” أحد أهالي “السويداء”، “سناك سوري”، حُسبة تكلفة السيارة في الوقت الراهن، بقوله: «كنت أحتاج شهرياً إلى 60 ليتر بنزين ومافوق، كلفتها 30 ألف ليرة، من راتبي البالغ 70 ألف علماً أنني في العام 2010، كنت أكتفي بمبلغ 6000 ليرة للبنزين والصيانة»، موضحاً أنه اليوم في حال حدث عطل بسيط أو لغاية الصيانة الدورية للسيارة، «ترتفع فاتورة الإصلاح إلى 300 ألف ليرة مابين بطارية 150 ألف وكوليات، هذا دون تكاليف تغيير الزيت وغيرها مما لا يمكن للراتب تغطيتها لذلك بعتها لأحتفظ بثمنها».
لكن “نهال روند” وهي معلمة تنتقل بين “السويداء” وقرية “مصاد”، باعت سيارتها “الكيا ريو” كونها لم تعد قادرة على شراء البنزين وتحمّل تكاليف صيانة سنوية تجاوزت وفق حديثها الـ400 ألف ليرة، وعادت للتنقل بالنقل العام، تضيف: «في عام 2010 كان تعبئة البنزين لاتتحاوز 1800 ليرة، وبما أن سيارتي وكالة فكانت الأعطال صفر إلا عند الصيانة المعتادة كل عامين والتي لا تتجاوز كلفتها 7000 ليرة للبواجي أو كوليات، وحتى غيار الزيت لم يتجاوز 8 آلاف ليرة حينها، أما اليوم تجاوزت قيمة آخر صيانة عشرات الآلاف من الليرات، فاضطرت للاقتراض، وهنا وصلت لمرحلة عجز كامل، لأوقفها فترة ومن بعدها بعتها مضطرة».
اقرأ أيضاً: سوريون يختصرون أدويتهم بسبب الغلاء
مقارنة مؤلمة
في زيارة لأحد متاجر قطع السيارات في مدينة “السويداء” جنوبي البلاد، يحدثنا “زياد” 38 عاماً صاحب المتجر، عن آخر فاتورة وصلته للقطع التي لابد من تبديلها بين الفينة والأخرى للسيارة، ويقول: «في العام 2010 كان ثمن الكوليه الواحدة 350 ليرة، وتكلفة العدد الكامل للسيارة لا تتجاوز 3500 ليرة، وأجرة التركيب 500 ليرة، اليوم طقم الكوليه 13 ألف وأجور التركيب 20 ألفاً وقد تزيد، وطبعاً هذه قطعة من أنواع كثيرة لا يمكن حصرها، طالها الارتفاع بعدة أضعاف وراتب الموظف لم يرتفع بما يوازي هذه الارتفاعات».

“زياد” ذكر أن الكثير من الموظفين أوقفوا سياراتهم ونسبة كبيرة منهم باعوها، ومع عدم قدرة غالبيتهم على اقتناء سيارة، فقد خسر نسبة لا تقل عن 40% من زبائنه، وهذا خفض مبيعاته والتراجع مستمر في ركود لم تشهده المهنة قبلاً.
يوضح التاجر التكاليف الضرورية لسيارة عادية خلال عام بالأسعار الرائجة، حيث تحتاج السيارة إلى غيار زيت بعد كل 5 آلاف كم، كانت لا تتجاوز تكلفته 8 إلى عشرة آلاف عندما كان كيلو الزيت 1500 ليرة، اليوم سعر الكيلو من النوع المتوسط 15 ألف ليرة، والسيارة تحتاج من 3 إلى ثلاثة ونصف الكيلو لتتجاوز كلفة الغيار لمرة واحدة 50 ألفاً قد تحتاجها السيارة مرتين بالعام الواحد، وإذا جمعنا الأرقام بين بطارية 150 ألف وقطع كوليه 50 ألف وزيت 100 ألف لمرتين بالعام، على الموظف تأمين 300 ألف ليرة هذا دون البنزين أو ثمن زوج إطارات يبدأ من 225 ألف للنوع الصيني الأقل جودة، الذي كان ثمنه 84 ألف شهر آب 2020 قبل الارتفاع الجنوني للأسعار.
“معين” محاسب لشركة إنشائية يقول، إنه ولجانب كل ما سبق، ارتفع رسم التأمين الإلزامي السنوي إلى 20 ألف ليرة، بعد أن كان 4500 ليرة عام 2010، ويضيف: «للأسف أنا غير قادر على الاستغناء عن سيارتي، كون عملي يحتاج التنقل لأكثر من مكان، وإلا كنت استغنيت عنها ووفرت مصاريفها»، بينما تؤكد “ثراء أبو فخر” مندوبة الاتحاد السوري للتأمين، أن الرسوم ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار القطع والصيانة، بهدف التعويض للمتضرر.
وهكذا فإن غالبية الموظفين، لم يعودوا يملكون خياراً آخر عن بيع سياراتهم أو إيقافها، فالراتب وحتى إن تم تسخيره بشكل كامل لمصاريف السيارة قد لا يكفيها، وباتت وسائط النقل العامة بزحامها وساعات انتظارها الخيار الوحيد تبعاً للظروف الحالية.
اقرأ أيضاً: سوريا: مزارعون توقفوا عن استثمار أراضيهم بسبب الغلاء