الرئيسيةرأي وتحليل

مرض الحرب – ناجي سعيد

من يقرر الضغط على زرّ الحرب نجح بالواسطة ليتباهى بمركزه

تعرّضتُ شهر حزيران العام 2016 لحادث سير، كان مروّعًا كما أخبروني. فلم أدرك التفاصيل إلاّ بعد حوالي الشهرين. فقد دخلت في غيبوبة ما يقارب الشهر (كوما). وعندما استيقظت من الكوما، في الشهر الثاني للحادث، لم تكن ذاكرتي حاضرة.

سناك سوري-ناجي سعيد

وليس هذا استعطافًا للقارئ، بل لأقول بأن هذا الحادث المشؤوم، أثّر بشكل سلبي على إتّزاني ووعيي، ممّا جعل من سلوكي ينفعل نتيجة خلل حدث في جهازي العصبي. فأصبحت أنفعل وأعصّب من أتفه الأسباب إذا ما كلّمتني زوجتي مثلاً! وأكظم غيظي إذا ما أزعجني سلوك عامّة الناس أو أصدقائي أو زملائي في العمل، فقط لأحافظ على صورتي العامة بنظر الناس.

وما استنتجته من هذه التجربة الأليمة، يمكن تعميمه اعتماداُ على البعد البيولوجي لطبيعة جسم الإنسان. فالإتّزان المطلوب لأي شخصية إنسانية، ينطوي على احترام وتقدير أربعة أبعاد للشخصيّة. البعد الاجتماعي، وهو يعنى بعلاقات سليمة تحترم الذات من خلال احترام الآخر. والبعد العقلي يحترمه الإنسان بأن يجعله دائم التغذية بالمعرفة المُتجدّدة والمُتغيّرة دومًا. ويأتي ثالثًا البعد الروحي وهو يحاكي حاجة موجودة بداخل كلّ إنسان وهي الإيمان، ولا يهمّ ماهيّة العقيدة، فالمهم هو الإيمان بشيء! وكما قال غاندي (أبو اللاعنف): “اعبد حجر ولكن لا تضربني به”.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع تفريغ العنف بشكل سليم – ناجي سعيد

والبعد الرابع هو ما استشهدت به لأبني مقالتي: البعد الجسدي. ولست ماديّ النزعة، ولكن الظرف الذي مررت به، وأقصد الحادث الأليم، كسر دفّة التوازن بشخصيّتي التي من المفترص أنها اتّزنت بعد تجارب حياتية عديدة خضتها في العلم والعمل وأنشطة تربوية واجتماعية متنوّعة. وهذه التجارب أوصلتني إلى قناعة آمنت بها بعقلانية تامّة وهي: اللاعنف.

واللاعنف بحسب المفكّرين اللاعنفيين، هو طبيعة البشر. وعكسه صحيح، العنف طبيعة غير بشرية، وكي لا أصفه بالغريزة الحيوانيّة، فهو أقرب إلى حالة مرضيّة تصيب أي إنسان في مرحلة نموّ شخصيّته. والمرحلة المذكورة تبلغ أهمّية قصوى، فهي بناء رباعي الأبعاد. وأُشبّه هذه الأبعاد الأربعة للنموّ، بأرجل الكرسي، فلو صادفت حادثة ما أي شخص، والحادثة معنية بجانب من جوانب النمو (اجتماعي أو غيره..) فنرى هذا الشخص ينمو بعقدة مرتبطة بهذا الجانب المُصاب! والمشكلة تكمن في أن هذه الأبعاد الأربعة المُكَوِّنة للشخصيّة هي منظومة كاملة إذا أصيب جانبًا منها، امتثلت باقي الجوانب للمرض.

وهذا الأمر من الناحية التربوية. لا يمكن للمرء أن يكون مُتّزنًا في الجانب الإجتماعي فقط ليحمل شخصيّة مكتملة. وقد يعترض على هذه الفكرة أصدقائي من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالطبع لا تشملهم فكرة النقص، فعلى الرغم من المشكلة التي تعرّضوا لها منذ الولادة أي خُلقيًّا، أم حادث عرَضي، فمن الجدير ذكره أنّ المُتّزنين منهم لجأوا إلى علاج نفسي، وهم مثابرون على متابعة التمارين الجسدية والأنشطة الاجتماعيّة والروحية والعقلية التي تكفل لهم تقديم شخصيّة مُتّزنة وأعرف الكثير منهم.

اللاإتّزان يأتي من الفشل او الغش، وهذا إساءة علنية لإنسانية قتلوها بتصرّفهم المُشين. فكم من مهندس أو طبيب أو غيره، وصل إلى منصب عن طريق الواسطة التي تُسمّى شعبيًّا فيتامين واو، ليس ليؤدّي رسالة إنسانية، بل ليظهر أمام الناس بمظهر اجتماعي لائق! تمامًا كما قال الأستاذ صيّاح أبو قعقور عندما طلب منه أبو نمر بأن يزوّر “جلاء” هيثم ابن فيّاض، ليتباهى أمام أبو نايف بأن جلاء هيثم :”كلّها منتازات”!! وقال مصرًّا على رأيه: “وبلكي نجّحت حدا بالواسطة، ووصل إلى مركز ما، وأمامه مجموعة أزرار وبيده قرار الضغط على إحداها، ثمّ ضغط على الزرّ الخطأ! سيدمّر العالم!!!”.

وهكذا تمامًا هو الذي يأخذ قرار الضغط على زرّ الحرب، نجح بالواسطة ليتباهى بمركزه، ضاربًا بعرض الحائط أرواح الناس البريئة! العلم والفهم لمعرفة قيمة الإنسانيّة تُبعد الحرب عن البشر.

اقرأ أيضاً: خلي روحك رياضية يا زلمي – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى