مدنيون تحت رحمة “داعش” جنوب “دمشق”
مقاتلو تنظيم داعش سبق وأن أضاعوا عددا من الرؤوس المقطوعة بسبب لعب الأطفال بها.
سناك سوري – رواد بلان
يستيقظ باكرا ليحمل عبوة بلاستيكية، يتوجه بها إلى بئر ماء يبعد مئات الأمتار عن مكان سكنه، يقف في رتل به عشرات الرجال والفتيان، ليملأها بالماء، ويعود بها إلى عائلته، ليعود من جديد للبحث عما يؤكل بأرخص سعر ممكن، ولا ينسى أن يلتقط كل ما هو قابل للاشتعال ليطهو على نارها، هذا هو روتين المعيشة اليومي لعشرات العائلات، التي ماتزال تقطن في مناطق سيطرة تنظيم “داعش”، المصنف دوليا كمنظمة إرهابية، في جنوب العاصمة “دمشق”.
“داعش” يقيم إمارة له على بضع كيلومترات مربعة، تمتد على أجزاء من “الحجر الأسود ومخيمي اليرموك وفلسطين والعسالي والقدم والتضامن”، يقيم بها بحسب التقديرات بين 7و10 ألاف شخص”.
وكحال كل المناطق التي سطا عليها التنظيم يفرض على سكان جنوب “دمشق”، ما يصفه باللباس الشرعي، حيث يرتدي الرجال ألبسة فضفاضة وسراويل قصيرة، ويمنع عليهم حلق لحاهم، في حين يلف النساء اللباس الأسود الذي يغيب كل ملامحها.
إيقاع الحياة
ويختلف إيقاع الحياة من شارع إلى أخر في تلك المناطق، حيث يكاد يختفي في الشوارع القريبة من خطوط الاشتباك، في حين يرتفع كلما اقتربنا من شارع العروبة، حيث تنتشر بضع بسطات عليها بعض المواد الغذائية مما يتوفر من “خضار ورز وبرغل وعدس وسكر”، والوقود والألبسة، فهذا الشارع يعتبر السوق الرئيسي في المنطقة، وهو امتداد السوق المتواجد في مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في “يلدا وببيلا وبيت سحم”، ليفصل بينهما حاجز لـ “داعش”، يقابله على بعد نحو 100 متر حاجز للفصائل، وعبرهما يتم نقل البضائع بواسطة تجار محليين، بحسب حديث مصدر محلي لـ سناك سوري يفضل عدم الكشف عن اسمه.
وشهدت مناطق سيطرة التنظيم في جنوب “دمشق”، العديد من المواجهات العسكرية منذ عام 2012، الأمر الذي ألحق أضرارا كبيرة بالبنية التحتية، ما حرم الأهالي من مختلف الخدمات من كهرباء وماء واتصالات وصرف صحي.
اقرأ أيضاً: “سوق شارع لوبية” في العام الخامس على إغلاقه داخل “عاصمة الشتات”
فقر وبطالة
وتتفشى البطالة بين غالبية من يسكن مناطق “داعش”، حيث يقتصر العمل على بعض التجارة وهذا يحتاج إلى رأس مال، ما يجعل الأهالي يعيشون على ما يصلهم من مساعدات إنسانية، ومساعدات نقدية من ذويهم خارج المنطقة، ما يجعل الغالبية العظمة في حالة يرثى لها، ومنهم من يجد صعوبة بالغة في الحصول على وجبة طعام واحدة في اليوم، وتلفت المصادر أن “حتى من كان يعيش من بيع الخردة التي يجمعها من المنازل المدمرة، قطع التنظيم رزقه، حيث عمل بشكل منظم على نهب المنازل الفارغة من سكانها، بحجة أنها مصادرات حلال لهم لأن أصحابها مرتدين، كما نهبوا أكبال شبكة الكهرباء والمحولات وغيرها مما يمكن بيعه.
ويعاني الأهالي الذين استطاع سناك سوري التواصل مع بعضهم من بطش عناصر “داعش”، فقد يتعرض أي شخص بغض النظر إن كان رجلا أو امرأة أو حتى طفل، للجلد أمام الناس، لمخالفة بسيطة في اللباس أو المظهر العام، وقد تصل العقوبة إلى الذبح والصلب في حال وجهت له تهمة الكفر أو التواصل مع أحد مقاتلي الفصائل أو شخص من خارج مناطق سيطرته، حيث يعمل جاهدا على عزل سكان المناطق التي يسيطر عليها عن العالم الخارجي.
لا تعليم
ولا يكتفي “داعش” بعدم تقديم أي من الخدمات للأهالي إن كانت إغاثية أو صحية، بل أيضا يمنع التعليم في مناطقه، مكتفيا بالدروس الدينية والحفلات الدعوية، التي تسعى بكل جهدها لتجنيد الأطفال متواجدين في المنطقة، فإضافة إلى الضخ الكبير لأفكارهم العدوانية والتكفيرية، يتم إغراء الفتيان بحمل السلاح والسلطة والمال، حيث تحول مقاتل التنظيم إلى القدوة الأقوى، في ظل عزلهم عن العالم الخارجي، ولكن بالرغم من ذلك بقي هناك جزء من الأطفال يرتادون المدارس في “يلدا وببيلا”، بالرغم مما يتعرضون له من مضايقات وبشكل متكرر على يد مقاتلي التنظيم، من مصادرة الكتب وتمزيق الدفاتر وسيل من التهديد والوعيد، إلا أن هناك عائلات ماتزال تصر على تعليمها أبنائها.
اقرأ أيضاً: “داعش” يسطو على حياة 150 ألف سوري في ريف درعا
جريمة
وتحذر مصادر أهلية من جريمة ترتكب بحق الأطفال عبر معسكرات التدريب التي ينظمها التنظيم، والتي يجبر المقاتلين لديه على إرسال أبنائهم من سن 6 سنوات، والأطفال المستقطبين من الحفلات الدعوية والدروس الشرعية، ليتم إخضاعهم إلى تدريب مكثف على الأسلحة بالتزامن مع دورات شرعية تزرع بعقولهم فكر تكفيري إجرامي، فلا يتردد الطفل فيهم أن يطبق قوانين التنظيم على أبوه أو أمه، تحت ذريعة أنها حدود الله، حتى أنه أصبح أمر اعتيادي أن يكون هناك أطفال تمثل بجثث من يقتلهم التنظيم ويعرض جثثهم في الشوارع، فهذا يوجه طعناته لها، وذاك يقطع أجزاء منها، حتى أن مقاتلي داعش سبق أن أضاعوا عددا من الرؤوس المقطوعة بسبب لعب الأطفال بها.
بقاء
وتختلف أسباب بقاء سكان تلك المناطق في ظل سيطرة التنظيم، وإن كان البعض قد بقي في منزله خوفا من أن ينهب أو أن يستحله أحدهم، ومنهم من اعتقد أن الأحداث التي تمت في عام 2012، ستنتهي بعد أيام وتعود الحياة لسابق عهدها، وأخرين لم يكونوا يملكون خيار الخروج بسبب وضعهم الاقتصادي فاختار المخاطرة والبقاء، حيث يعتبر حتى النزوح إلى مناطق سيطرة الفصائل لا يقدر عليه، فهو لا يملك المال لشراء الطعام فكيف قد يدفع أجار منزل، في وقت يمنع التنظيم من يغادر مناطقه أن يصطحب معه أي شيء من أثاث منزله، إضافة إلى جزء مما اشترك في المظاهرات عام 2011 أو حمل السلاح فيما بعد.
تجنيد
وذكرت مصادر محلية أن “التنظيم يستغل الأوضاع الاقتصادية السيئة في ظل تفشي البطالة والغلاء، لتجنيد المقاتلين، حيث يتقاضى المقاتل نحو 90 دولار أميريك، إضافة إلى 40 دولار عن كل زوجة، و35 دولار عن كل طفل لديه، حتى أن هناك من يتزوج بنساء قتلى التنظيم طمعا في البدل المالي والمنحة التي يقدمها التنظيم كنوع من التشجيع”.
يشار إلى أن عشرات العائلات نزحت من مناطق التنظيم مؤخرا، بسبب تجدد العمليات العسكرية، باتجاه مناطق الفصائل المسلحة، في ظل أوضاع إنسانية سيئة حيث أن أجار المنازل إن وجد منزل فارغ مرتفع، ما قد يجبرهم على العودة إلى منازلهم في مناطق التنظيم في حال هدأت العمليات العسكرية.
اقرأ أيضا : “داعش” يسطو على حياة 150 ألف سوري في ريف درعا