مخاوف الكورونا.. العناق مسموح والتقبيل لايجوز!
روائح المعقمات والكحول تدلك على غرفة المدير.. المسؤولون غالباً يحتاجون تعقيماً وتنظيفاً مضاعفاً ليس مثلنا نحن عامة الشعب!
سناك سوري-رحاب تامر
الكل متوجس من الكل، بعيداً عن كل الزحام الذي نشاهد صوره في صفحات السوشيل ميديا للشوارع والأسواق، فإن الاقتراب منها بيولوجيا، يجعلك تدرك أن هناك شيء ما تغير، لكنه التغيير السلبي، الذي يدفعك للخوف أكثر فأكثر.
سائق السيارة الذي يقلني كل صباح، ترك المقعد بجانبه فارغاً كإجراء احترازي، لكن تحت ضغط الركاب وإغراء الـ200 ليرة الأجرة، طلب مني أن أجلس به، «بعرفك وبعرف إنك بتهتمي بالتعقيم وأنا والله بخاف قعد حدا تاني جمبي»، رغم سخرية الفكرة وافقت على طلبه، بالنهاية كنت أجلس متلاصقة مع اثنين آخرين في المقعد الخلفي ولو أن الفايروس موجود كنت لألتقطه وأهديه إياه.. لكن القصة قصة مبدأ!.
لا يختلف الأمر لدى بائع القهوة، الذي نشتري منه قهوتنا الصباحية كل يوم قبل الصعود في باص المبيت، وضع حاجزاً بلاستيكياً بينه وبين الزبائن في الكشك الخاص به، لكن دون قفازات، يعطيك فنجانك ويأخذ منك النقود، مرة أخرى تجد الفكرة ساخرة، لكنه المبدأ!.
في باص المبيت، كل الزملاء يضعون الكمامات، وكل قادم لابد أن يُبخ بقليل من الكحول، الذي تم إفراغه في زجاجة عطر قديمة منتهية، لتختلط روائح غريبة عجيبة يهرب منها نمر جارح، ليس فقط فايروس لا يُرى بالعين المجردة، أما الأحاديث فهي لوحدها حكاية ورواية.
-شو يا مدام أنت بتضلي عالانترنت مافي شي جديد منشان هادا كورونا؟
يقولها السائق، بينما ينكش أنفه بأصابع يديه، ومن ثم يضعها على “الدركسيون”، في مشهد لن تفيد معه كل حملات التوعية في الكرة الأرضية، الموضوع متأصل فينا كثيراً على ما يبدو، ربما بات عرفاً اجتماعياً.
-لا والله لسه لا جديد يا أبو محمد هالكورونا هالك العالم
-يعني معقولي ببلاد برة مالقولو دوا، مافي غيرها أمريكيا، وقت بدها تلاقيلوا بتلاقيلوا
-يمكن يا أبو محمد يمكن.
أقولها له، وأنا أهم بدس السماعات في أذني، في محاولة للهرب من حديث صباحي مكرر، سينتهي بنتيجة “هالكورونا لعنة على هالعالم يلي ترك العبادة ولحق الفسق”.
الفسق الذي يقصده زميلي السائق طبعاً يتمثل بملابس الفتيات المكشوفة، وجيل رأس الشباب، وموديلات الشعر الغريبة التي يتبعها بعض شباب هذه الأيام كمجاراة للموضة، ومهما حاولت لن أؤثر به، وحادثة نكش الأنف التي تحدثنا عن مساوئها مئات المرات تشهد.
اقرأ أيضاً: كساندرا وغداً نلتقي.. هل يفعلان ماعجز عنه الكورونا؟
في مكان العمل، يبدو المشهد مختلفاً، لا موظفين كثر، يعدون على أصابع اليد الواحدة، الغرفة فارغة سوى من زميل وجدها فرصة ليحضر لابتوبه ويعمل عليه قليلاً، بعيداً عن ضوضاء عائلته.
-تركتن بالبيت وأمنت عليهم من الكورونا والطلعة برة واجيت لهون كمل شغل.
-طب مو خايف عليهن منك وقت ترجع يعني بالنهاية إنت طلعت من البيت.
-إي شو هالحكي الفاضي يا شيخة، هلأ وقفت عليي ورح اعديهن يعني، لفيها بقا.
زميلي هذا، تعبير عميق عن الذكورة، وضع عائلته، زوجته وأطفاله في القفص الآمن، وجاء يمارس حياته بكل اعتيادية، لا بأس فإن كان الكورونا سيأتي من “سي السيد وشهريار”، فيا مرحباً به، رجال ومعذور!.
غرفة المدير تحولت إلى مستشفى كامل، روائح المعقمات والديتول والكحول تدلك عليها، “موسوس” بالنظافة هالمدير، تقولها زميلاتي بكثير من الإعجاب، لكن ماذا عن غرفنا نحن العاديين؟، يبدو أن عامة الشعب معتادة ومحصنة ضد الفايروسات بخلاف المسؤولين الذين يحتاجون تعقيماً مضاعفاً، ومهما كان مضاعفاً لن ينظفهم أبداً.
والدتي التي جئتها زائرة لتمضية “عطلة الكورونا”، حين هممت إلى تقبيلها، فاجئتني بعناق جاف من القبل، «الكورونا بيخوف يا بنتي، وأنا خايفة عليك»، قلت لكم سابقاً، القصة قصة مبدأ!.
يقولون إن فايروس كورونا خطير ولا مزاح معه أبداً، وهي حقيقة مطلقة، لكن بالمقابل نحن البشر أخطر بكثير أنانيتنا وتصرفاتنا الخاطئة، ستمنح هذا الفايروس بوابة العبور إلى أجسادنا ليقضي عليها، نحن شعب لا يتعلم أبداً من تجاربه.
اقرأ أيضاً: كورونا…لماذا تدهورت إيطاليا التي تمتلك آلاف غرف العناية؟