محمد الماغوط.. من سجن المزة إلى سجن المدينة الرياضية في بيروت
الماغوط: سجن المزة جعل مني شاعراً من حيث لا أدري
«ولدت في “السلمية” عام 1934، في مجتمع وسط بين الرعوية والحضرية، أما كيف عشت فيها، مطلع حياتي، فبإحساس بالظلم. وبفقدان العدالة الاجتماعية – والاقتصادية، لأن مجتمع السلمية كان منقسما إلى أقلية من الأمراء وأكثرية من الفلاحين والرعاة.. وأسرتي “الماغوطية” تتوزع بين ملاكين وفلاحين، لكن فرعنا ينتمي إلى الفلاحين: أبي “أحمد الماغوط”، وأمي. “ناهدة الماغوط”، وأخوتي السبعة (خمس شقيقات وشقيقين). كان أبي يعمل بعرقه في الأرض».
سناك سوري- عمرو مجدح
بهذه الكلمات عرف الشاعر السوري “محمد الماغوط” عن نفسه والبيئة التي ولد فيها في حوار نشر على صفحات مجلة المعرفة. 2005 مع الكاتب والقاص “عادل أبو شنب”، وأضاف فيه حول طفولته أنه ختم القرآن بين السنة الخامسة والسنة السادسة. من عمره قائلا عن القصص الواردة فيه: «هذه القصص حركت مخيلتي».
أما عن شكل كتاباته في مرحلة الطفولة يقول “الماغوط”: «خواطر وانطباعات. هل تعرف أنني كنت أحاول في الرسم ! ظاهرة الرسم تقلصت في الكبر عندي، لتتمدد وتتطاول وتتعملق الظاهرة الشعرية، أو لأقل الظاهـرة الكتابية مكانها».
«حلمي اليوم أن أذهب إلى “خرابو”، لأرى كيف كنت أعيش، والمهجع الذي كنت فيه أنام» تلك الكلمات التي رددها “الماغوط” وهو يتذكر المرة الأولى التي جاء فيها من “السلمية” إلى “دمشق”، والتحق بثانوية “خرابو” الزراعية (خرابو منطقة في غوطة دمشق) طالبا داخليا، وأمضى فيها سنة، لكنه لم يكمل الدراسة، لسبب مجهول لم يصرح به قط “كما يشير المحاور أبو شنب”.
اقرأ أيضا هل تشيخ المقاهي أيضا.. نظرة على المقاهي الثقافية السورية
الحزب السوري القومي والسجن
عن انضمامه في أوائل الخمسينيات إلى “الحزب السوري القومي الإجتماعي” يقول “الماغوط”: «تم دخولي هذا الحزب بشكل اعتباطي، وربما بسبب إحساسي بالعزلة والوحدة، والفوارق الطبقية الصارخة، كنت أريد أن أشعر بالأمان بالانتماء إلى الجماعة، لكن هذا الحلم تبدد منذ الأيام الأولى، مما زاد في عزلتي».
كاشفا أن ما جناه من ذلك الإنتماء سوقه إلى السجن قائلا: «في منتصف الخمسينيات، بعد مقتل العقيد “عدنان المالكي”، نائب رئيس الأركان السوري، وقد اتهم بعض عناصر الحزب بتدبير الاغتيال، وتمت ملاحقـة جميع أفراد الحزب، مع أن كثيرين كانوا أبرياء، وأنا منهم، و”أدونيس” الذي كان نزيل “سجن المزة” أيضا».
أمضى “الماغوط” في “سجن المزة” حوالي ستة أشهر يقول عن تلك التجربة القاسية : «كانت سببا في انفتاحي على موهبتي، وجعلتني شاعرا دون أن أدري، أؤكد.. دون أن أدري».
غادر مؤلف “سأخون وطني” مدينة “دمشق”، أيام الوحدة مع “مصر” لأنه ينتمي إلى حزب ملاحق، فهرب إلى بيروت التي كانت الملاذ والحرية نحو الانطلاق ويقال أن “الحزب السوري القومي” سعى إلى إعادة “الماغوط” إلى صفوفه، إلا أنه رفض، وقرر عدم الانتماء إلى أي حزب سياسي.
اقرأ أيضا “محمد الماغوط”: الكهربا وصلت لقفاي قبل ما توصل لضيعتنا
الكتابة بأسماء مستعارة والسجن مجددا
بعد مرحلة مجلة “شعر” لصاحبها ورئيس تحريرها الشاعر “يوسف الخال” والتي تعتبر حجر اساس في مسيرة “الماغوط” عمل في جريدة “البناة” البيروتية، وكان له زاوية ساخرة يكتبها بأسماء مستعارة، وقد أحدثت هذه الزاوية ضجة واسعة، حتى إن الرئيس اللبناني “كميل شمعون” طلب أن يتعرف على صاحبها.
عندما حاول “القوميون السوريون” الانقلاب على الحكم اللبناني ليلة رأس السنة 1961-1962 “وكان الرئيس فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية” سجن “الماغوط” مع من سجنوا في “سجن المدينة الرياضية” (ملعب رياضي تحول تلك الفترة إلـى معتقل بيروتي) ثم أبعد بعد ثلاثة أشهـر إلى سورية، فاعتقل على الحدود السورية وأرسل إلى “سجن المزة” من جديد، وأمضى فيه ثلاثة أشهر، ثم أفرج عنه لبراءته من أية تهمة، فأقام في “دمشق”.
اقرأ أيضا الشاعرة التي أحبها “الماغوط” وبقيت في الظل
منتقدي اشعاره
رد “الماغوط” على منتقديه الذين يقولون أن ما يكتبه ليس شعراً، لأنه بلا وزن ولا قافية قائلا: «ليقولوا ما يشاؤون. إنه إلهام شعري قد ركبني، بهذه الصيغة، سماه شعرا طلقا.. إنه شعر».
مضيفا: «كان صوتي الشعري يعلن عن ولادة تيار شعري عربي يقوم على الواقعية، وعلى الصورة المبهرة، وعلى رفض الالتزام بالقافية والوزن والموروث الشعري، وعلى خلق إيقاع خاص مستنبط من سبكي للجملة، بعيدا عن القوالب الجاهزة واللغو والحشو، والإضافات التي كانت تفرض نفسها على شعراء تلك الفترة».
الخلاف مع دريد لحام
يوضح مؤلف مسرحيات “ضيعة تشرين” و”غربة” و”كاسك يا وطن” وفيلمي “الحدود” و”التقرير” خلافه مع شريكه الممثل “دريد لحام” قائلا: «كان الخلاف حول مفهوم المسرح، وإلى أي حد يجوز التلاعب بالنص وبالأفكار. كان “دريد” يريد أن يمارس هذا التلاعب دائما وبعـد أن شاهدت ما حلّ بالمسرحية الجديدة “شقائق النعمان”، التي قدمها “دريد” على “مسرح الشام” حدثت القطيعة بيننا».
وعن اذا كانت القطيعة مستمرة يجيب الماغوط نافيا ويضيف: «سمع أنني مريض، فجاء لزيارتي. كان مريضا مثلي. الآن هو يزورني ويشرب القهوة معي، إنه فنان.. وأنا آنس إلى الجانب الطيب في الإنسان. تصـور، إنه يزور قبر “أم شام” (سنية الصالح) في “السيدة زینب”، كلما كان هناك. هذه لفتة إنسانية في “دريد”».