مثلث العنف – ناجي سعيد
لماذا ليس مربع العنف أو دائرة العنف؟
سناك سوري – ناجي سعيد
خطر ببالي تساؤل أثناء تدريب مجموعة ناشطين مُجتمعيين على تفسير مفهوم مُثلّث العنف، لماذا لا يكون مُربّع العنف أو دائرة العنف. من المُمكن أن نتكهّن- دون معرفة سابقة بالموضوع أو إلمام به- بأن شكل المُثلّث المُغلق من ناحية هندسية هو مُغلق أيضًا بثلاثة خطوط معنويَّة، وبالتالي يعكس مفهوم الإنغلاق المُنافي للإنفتاح.
إن التقاء أي خطّين يشكّل زاوية، والزاوية تتراوح قيمتها بين إجرائية، وذلك من خلال قياسها فقط، أما المعنى الإصطلاحي، فيُترجم سَجنًا لأي عنصر موجود في الزاوية المُحاصرة بخطّين أو ضلعين (محشور بالزاوية). وهذا يُفضي إلى إنحسار مفهوم “العنف” والإغلاق عليه، لتضيق مساحة البحث عن طرق عادلة لمواجهته.
اقرأ أيضاً: علامات تعرض الأطفال للتنمر في المدرسة؟ – ناجي سعيد
فالإنحسار يعكس ضيقَ المساحة التي تُتيح للمُهتمّين بكسر مُثلّث العنف لإيجاد حلول مناسبة ولاعنفية تواجه العنف بشكل جذري. ومسار المُثلّث مُحدّد بثلاثة توجّهات محدودة ضمن خطوط ثلاثة تسير بشكل يوضح كيف أن أسباب العنف تؤدّي تدريجيًّا إلى فهم أسباب العنف الظاهر الجليّ الوضوح في سلوك الناس، وذلك من ملاحظة ورصد طرق تواصُلِهم السلوكي واللفظي بين بعضهم البعض. ومن ثمّ ننتقل إلى جانب آخر من المُثلّث لمعرفة مدى عُمق وتجذّر هذا العنف، ليتعمّق في الوجود من شكله الظاهر إلى إنعكاس غير مباشر يتجسّد في مواقف ومشاعر وقيم، لينتقل من حالته الفرديّة إلى حالة جماعية مؤسسّاتيّة تنعكس بدورها على سلوك (ظاهر) ومشاعر وقيم ومواقف عند الفرد المُنضوي أصلاً تحت هويّة جماعيّة قد تكون عائلة/ عشيرة/ قبيلة/ مؤسسّة تربوية /شركة تجارية، صناعية، اقتصاديّة../حيث يكون العنف بُنيوي، يتمَأسس ضمن بُنى مُختلفة في الدولة، وهذه البُنى قد تكون رسميّة تُمثّل جهاز دولة أو غير رسميّة تُمثّل مؤسّسات خاصّة أو غير ذلك.
وما أودّ قوله يستند على معلومات اكتسبتها من دراستي في معهد الفنون الجميلة في الجامعة، فالشكل الهندسي يُفَسّر معناه من خلال معيار أساسي وهو إتجاهه، فالمُثلّث المتّجه رأسه إلى الأعلى يختلف معناه حين نرسم رأسه مُتّجهًا إلى الأسفل حتمًا. كما أنّ الخط المُستقيم يرمز إلى الاستقرار لو كان أفقيّ الإتّجاه، والطُموح اللا محدود لو كان إتّجاهه عاموديًّا. والخطوط المُنحنية على شكل موجات البحر، تعني عدّة معاني كالفرح والبهجة والرقص، وعدم الثبات والتغيّر والتبدّل وما إلى ذلك. والخطوط المتعرّجة والمتقطّعة ترمز إلى القساوة والعنف والثورة. والدائرة رغم انحناء خطّها المُغلق إلاّ أنها مُغلقة ترمز إلى صعوبة الإنفتاح. ولو استخدمنا هذه الدائرة للحديث عن العنف (دائرة العنف)، فنحتاج إلى كسر هذه الدائرة للوصول إلى حلول تناسبنا للخروج من دائرة هذه العُنف. والمختصّون بمجال التدريب على موضوع النزاع والتعامل معه، يستخدمون وبشكل عفوي مصطلح “كسر” دائرة العنف، وليست مبالغة لو قلت أنّهم معتادون على استخدام مصطلحات عنفيّة (الكسر) وذلك سلوك لفظي تعويضي عن ترسّبات العنف التي قد تكوّنت في مرحلة الطفولة اللاواعية حُكمًا. والحلّ الأمثل للتخلّص من اللغة العنفيّة لا يكون إلاّ عقلانيًّا. وهذا مقدورٌ عليه، لكن الجدليّة المطروحة منذ البداية تكمن في استحالة السيطرة على آلية التعبير المجهولة البداية، ففكريًّا يمكن من خلال الجدل استعمال أي شكل وإلصاق مفهوم به عند شرحه وتفسيره، لكنّ لا يمكننا التحكّم بالمساحة التخيّلية في دماغ الإنسان والتي تتشكّل في مرحلة الطفولة عند الإنسان نتيجة البيئة التي يعيش فيها، وحتّى لو كانت بيئة تربويّة فلا نعلم كيف تسير الرحلة التربوية وتنمو سلبًا أم إيجاباً.
فرحلة التربية يُساهم بها بالإضافة إلى الأهل، المدرسة، الشارع، الحي، البلدة..الوطن بأكمله. بالطبع لا أقصد “النقّ” بهذا الموضوع فالجديّة والمسؤوليّة تبدأ من الوطن ببناء مفهوم المواطنة، لنضمن سلامة مُخيّلة علميّة موضوعية تراعي العلاقة السليمة بين الأشكال الهندسية وما ترمز إليه في دماغ الإنسان.
اقرأ أيضاً: الحرية مسألة لاعنفية .. ناجي سعيد