«اعملي، شيلي، حطي، اطبخي، اشتغلي، هاتي مصاري، أتحول إلى روبوت هنا»، تقول “لبنى” 35 عاماً وتعمل بالشأن العام. في وصفها للعلاقة الزوجية التي بدأتها قبل نحو عشر سنوات وأثمرت عن طفل وحيد.
سناك سوري-وفاء محمد
تقول “لبنى” لـ”سناك سوري”، إنه وبفعل الأزمات المعيشية وتضرر عمل زوجها، باتت المعيلة الوحيدة للأسرة منذ قرابة العامين وهو ما حملها أعباء مادية كبيرة. وتضيف: «لا ألومه، لكني لا أشبهه، رفضت الاستسلام فبحثت عن عمل جزئي آخر بالإضافة إلى دوامي الحكومي. وحين ازداد معدل التضخم وارتفعت الأسعار بحثت عن عمل ثالث بطريقة العمل المستقل واستطعت تقسيم وقتي بين الأعمال الكثيرة التي أزاولها. لكني نسيت نفسي».
المعاناة الأكبر بالنسبة لـ”لبنى” هو أن زوجها لا يأبه لكل ما تفعله حتى تحافظ على مستوى حياة مقبول بالحد الأدنى لعائلتها. ويمارس تصرفاته الذكورية بمنتهى القسوة، فلا يقدم يد المساعدة بالأعمال المنزلية إلا نادراً، وحتى حين يراها تعمل فإنه لا يجد حرجاً من طلب إعداد المتة أو القهوة له دون أي اكتراث بها.
على الجهة الأخرى، تلوم “سلام” 42 عاماً حظها، هي الأخرى تمارس عدة أعمال لتجني مبلغاً مالياً يستنزف حياتها وبالكاد يكفي احتياجات عائلتها الأساسية. تضيف: «زوجي ليس رجلاً ولا ذكراً، هو أشبه بالمزهرية، شيء ما شكلي ليعلم المجتمع أنه موجود وأني أعيش “تحت ظل رجل”».
“سلام” المغامرة التي كانت حتى الأمس القريب شغوفة بالحياة ومتفائلة بالمستقبل. انطفأت وباتت مجرد رماد وبقايا هشة لا تصلح حتى للكسر. كما تقول وتضيف: «أرى التجاعيد وقد بدأت تظهر أود لو أستطيع إخفاءها بمستحضر ما. لكن طعام العائلة أولى لا يسمح لي ضميري حتى بمجرد التفكير في نفسي ورغباتها».
قبل عدة أيام خرجت “المزهرية” عن صمتها، تقول “سلام”. وتضيف: «كنت أود المشاركة بطقس اجتماعي لكنه منعني. ارتفع صراخنا عالياً ولم أستطع التمرد رغم أني مستقلة مادياً وأساعده لم أكن أمتلك حتى حريتي، أدركت حينها أن تلك المزهرية تستطيع أن تصبح سامة ومؤذية جداً. لكن كسرها يتطلب شجاعة كبيرة لا أدري لماذا أفشل بامتلاكها».
في قصة أخرى لم تستطع “عبير” 43 عاماً شراء تيشرت جديد بعد أن اهترى التيشرت القديم الذي اعتادت على ارتدائه طيلة هذا الصيف. بل عمدت لرقعه والأمر ليس كذبة أو مبالغة، بل نابع من تفكير داخلي لديها بأنها يجب أن تكفي احتياجات أسرتها المؤلفة من طفلين وزوج.
تضيف “عبير” لـ”سناك سوري”: «أعمل في مكتبة لمدة 8 ساعات يومياً. وأحضر بعد العمل الجانبي معي إلى المنزل. زوجي موظف حكومي يرفض أن يبحث عن عمل آخر ومصر على الاكتفاء بواحد انطلاقاً من فكرة أن المرحلة صعبة عالكل وما وقفت عليهن لحالهن».
مع مرور الوقت وارتفاع الأسعار المتكرر، امتنع الزوج عن شراء أي من احتياجات المنزل، وحتى حين توصيه زوجته على أي احتياج فإنه يتقاضى ثمنه منها مسبقاً، تقول وتضيف: «يحضر بعض الخضراوات لمرة واحدة حين يقبض راتبه أول الشهر. ثم يخبرني أن راتبه انتهى كنت أصدقه حتى تفاجأت به وقد اشترى ملابس جديدة وعلبة عطر. أحسست بالصفعة لكني لم أكن أمتلك تغيير ما أومن به فعائلتي أولى وطعامها أهم من الملابس».
تلك النماذج لنساء حقيقيات في مجتمعنا، هي بالتأكيد ليست نماذج صحيحة أو يحتذى بها، ولا يجب على النساء تحمل كل تلك المسؤوليات بينما لا يملكنّ حتى حق ممارسة أبسط آرائهنّ الخاصة. وللأسف حتى الاستقلال الاقتصادي لا يستطيع لوحده تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في هذا المجتمع الموبوء بالعادات والتقاليد.