لم أعد صامدة.. هُزمت اليوم – رحاب تامر
ربما حالة الهزيمة عامة.. عامة جداً!
سناك سوري-رحاب تامر
بعد معركة عنيفة بين الوسادة والمُنبه استمرت لنصف ساعة، انتصر الأخير بإجباري على النهوض من السرير هذا اليوم، لتعود الطريق وتنتصر للوسادة من جديد.
كيف سنستمر وسط هذه الظروف؟، استمر هذا السؤال يحفر في رأسي، الذي بدا باهتاً على غير العادة، لم يغرينِ أن أصفف شعري، أو أن أضع لمسات ناعمة من المكياج كما درجت العادة، خرجت من دون أي اكتراث بأدوات الأنوثة، متوجهة إلى عملي، أحمل حقيبتي الصغيرة وحقيبة أخرى للابتوبي، كانت الخطوة ثقيلة جداً وأنا أقبل أطفالي الصغار، متساءلة عن طريقة ما أستطيع أن أحميهم فيها بغيابي من خطر الإصابة بفايروس كورونا، في مجتمع مايزال يتعامل مع الأمر على أنه مجرد تهويل، وكورونا لن تفتك بمن نجا من الجوع والحرب.
أشبه “جعفر” اليوم، ربما يكون الأمر صحيحاً مجازياً، لكن في الحقيقة لا أشبه سوى أنثى لن يقف لها سرفيس القرية المكتظ بالركاب لتجلس على المعاكس رغم أنها لا تمانع، بخلاف “جعفر” الذي “وين ما شلفتو بيقعد”، لم تكن الأفكار مستعدة لتتشابك في جدلية الرجل والمرأة والجندر، كان الجزء الأكبر مني يريد العودة إلى المنزل فقط، لتمضي عشر دقائق فاشلة بالحصول على مقعد في أحد السرافيس.
على الطريق المؤدي إلى الوادي البعيد قبالتي، كان رجل يجر كيس أعشاب بيده، ويحمل آخر مشابه فوق رأسه، إنه جارنا الذي يفشل في إيجاد عمل مناسب لعمره بعد أن تجاوز الـ65 عاماً، ولم تعد صحته تسعفه ليعمل في مجال البناء كما كان في السابق، فاختار الطبيعة يقطف منها بعض الأعشاب والزهورات ثم ينزل بها إلى السوق ليبيعها ببضع ليرات بالكاد تكفي العائلة ثمن الخبز، بينما يؤكد الجيران أن العائلة ذاتها لم تستخدم الغاز منذ أكثر من عامين، ووجدت في بيع دورها بالحصول على جرة مصدر دخل جديد مؤخراً.
اقرأ أيضاً: أول عملية احتيال لي حققت نجاحاً مدوياً – رحاب تامر
تغيرت الظروف كثيراً، لنجد أنه في مجتمع القرية الصغير هناك عائلة منغلقة على نفسها، والجيران يتداولون شائعات عنها، دون أن تساعدهم أي معلومة لإرواء فضولهم، الذي لا يتعدى مجرد كونه فضول لا يهدف من ورائه الجيران إلى تقديم يد المساعدة.
مضت عشر دقائق أخرى دون أن أنجح في الخروج من القرية إلى عملي، ازداد حنقي وبدأت بالنقمة على كل أولئك الركاب، إلى أين يذهبون اليوم، لم يخلُ الأمر من بعض الأنانية بداخلي، بررت لنفسي بازدياد الضغوط من حولي، هل تحولنا الضغوط إلى أشخاص أنانيين غير مكترثين إلا بأنفسهم، أم أنها مجرد لحظة عابرة لا قيمة لها.
بمرور نصف ساعة من الوقت، كان صبري قد نفذ وتوجهت إلى منزلي، استغربت الأمر، في السابق لم أكن لأهزم بهذه الطريقة كنت دائماً، أجد حلاً، حتى إن اقتضى الأمر أن أشير لأحد السيارات الخاصة العابرة مستأذنة صاحبها أو صاحبتها بإيصالي في طريقهم.
إنه مشهد الهزيمة، دعونا لا نجمله، الإرادة تفعل المستحيل، لكن يبدو أننا فقدناها، أؤمن بأن هزيمتي السخيفة هذه، ما هي إلا تعبير عن هزيمة أشد وطأة في داخلي، بالقرب من بيتي كانت جارتي تشرب قهوتها وحيدة، دون أن تشطف درج منزلها كما تفعل كل يوم في هذه الساعة، استفسرت منها عن السبب، قالت لي، «تعي نشرب قهوة، مالي خلق على شي اليوم، مالة ومافي غير هالقهوة والدخان بيريحوني»، ربما حالة الهزيمة عامة، عامة جداً.
اقرأ أيضاً: يوم سوري في ظل قياصرة الداخل والخارج.. الحياة قرار