كيف تحوّل حفل الزفاف بالساحل السوري من استثمار ناجح إلى مشروع فاشل؟
الزفاف في الساحل السوري من مشروع العمر إلى مشروع الفقر!
تحول حفل الزفاف في الساحل السوري إلى مشروع فاشل…. فبينما كان الجميع منشغلاً بالرقص أحد أيام عام 2015، كان أسعد 48 عاماً وزوجته على “الأسكي” منشغلان بالتفكير فيما إن كانت “النقطة” ستكفي أجور حفل الزفاف. وهل يزيد منها بعض النقود الكافية لشراء براد وفرن غاز وغسالة؟ لم يستطع العروسان شراءها لضيق حالتهما المادية حينها.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
يقول “أسعد” الذي يعمل في مجال التجارة باللاذقية لـ”سناك سوري”، إن الهم الأكبر للعروسين كان حينها أن تكفي النقطة “النقود التي يتم إهداؤها” على الأقل أجور حفل الزفاف. الذي كان يضم نحو 120 شخصاً من المعارف والأقارب، في النهاية ظفر الزوجان بمبلغ وصل إلى نحو 350 ألف ليرة. دفعا منه 180 ألف ليرة للمطعم وما تبقى اشتريا به فرن غاز وبراد وخصصا جزءاً لأسبوع العسل في أحد الشاليهات رخيصة الثمن في اللاذقية. بالنسبة للغسالة أجلاها واشتروها لاحقاً بالتقسيط.
لسنوات طويلة، كان حفل الزفاف في سوريا بمثابة استثمار قصير الأجل للعروسين، اللذين كانا بمعظم الأحيان يحصلان منه على مبلغ مالي، يساعدهما على ترميم ما عجزا عن شرائه من أغراض منزلية. اليوم تغيّر هذا الحال، وبات مشروع حفل الزفاف خاسراً بالمطلق كما معظم المشاريع الأخرى في بلدنا.
مشروع ناجح قبل عام 2011
كانت معظم حفلات الزفاف في ريف الساحل السوري بداية تسعينيات القرن الماضي تتم على الأسطحة أو في ساحات القرى. حيث تطهى الأطعمة وتشوى اللحوم بمساعدة الجيران. في منتصف التسعينيات ازداد الإقبال على بعض الصالات المخصصة لحفلات الزفاف والتي انتشرت على طول أوتستراد اللاذقية بانياس. وصولاً إلى بداية الألفية الجديدة حيث باتت معظم حفلات الزفاف تتم في الصالات، وكان حفل الزفاف يكلف بالمتوسط بين 20 إلى 50 ألف ليرة، بحسب رغبة وقدرة أصحاب الحفل.
تزوج “علي” 58 عاماً موظف متقاعد من الشركة السورية لنقل النفط في بانياس، بأواخر التسعينيات، وحينها اقتصر حفل الزفاف على الأقارب وبعض الأصدقاء المقربين. أقامه في إحدى صالات الأفراح في مدينة بانياس مع المطرب والفرقة الموسيقية، يتذكر “علي” أنه دفع نحو 25 ألف ليرة فقط.
لا يتذكر “علي” حجم النقطة التي حصل عليها مع زوجته حينها، لكنه يتذكر أنهما اشتريا بالمبلغ طقماً من الذهب “موديل روليكس”. مازالت زوجته تحتفظ به حتى اليوم، وقد قام بتثمينه بعد وصول سعر غرام الذهب إلى مليون ليرة وبلغ ثمنه 95 مليون ليرة سورية.
إضافة إلى النقطة، يقول “علي”، أنهما حصلا على عدة قطع ذهبية خاتمين وأسوارة وطوق صغير من أشقائهما. فقد كانت عادة إهداء الذهب شائعة وبكثرة حينها، فسعر الغرام كان نحو 350 ليرة، وثمن خاتم متوسط كان لا يزيد عن 2500 ليرة.
حفل الزفاف اليوم.. مشروع خاسر للعروسين وضيوفهما
بالإمكان تقسيم مراحل تطور مشروع حفل الزفاف في الساحل السوري من ناجح إلى خاسر، إلى أربع مراحل رئيسية. ما قبل الألفية، حين كان المشروع رابحاً مهما بلغ حجم النقطة والهدايا. فالطعام كان رخيصاً ولا أجور للمطربين أو الصالات. الثانية منذ بداية الألفية وحتى عام 2011. حيث كانت الحفلات في الصالات بوجود الفرقة الموسيقية والمطرب أغلى ثمناً. ومع ذلك لم تكن خاسرة بالمطلق وكان يتبقى للعروسين مبلغاً يستثمرانه لشراء الكماليات.
الثالثة من 2011 وحتى 2020، وهي شبيهة بالمرحلة الثانية، حيث يتبقى للعروسين مبلغ صغير، لكن ليس لشراء الكماليات، إنما للاحتياجات الأساسية التي لم يستطيعا شراءها نتيجة ارتفاع الأسعار. والمرحلة الأخيرة من 2020 وحتى اليوم. وهي التي تحوّل فيها حفل الزفاف إلى مشروع خاسر بالمطلق سواء للزوجين أو لضيوفهما.
تشرح “لوريس” 35 عاماً التي تزوجت عام 2020، كيف أن مجموع ما حصلت عليه من نقطة لم يكفِ أجور المطعم والدي دجي. وتقول لـ”سناك سوري”، إنها وزوجها كانا يدركان ذلك، فمعظم المعارف من الطبقة التي أنهكها الفقر، والتي لن تستطيع إهداء نقطة تكفي أجر الكرسي ويتبقى منها مبلغاً للعروسين.
مع ذلك كانت لوريس تريد “حفلة العمر”، ولم تأبه مع زوجها للتكاليف، وحاولا قدر الإمكان الاكتفاء بعدد محدد من المعازيم الذي اقتصر على العائلة وبعض الأصدقاء المقربين. ما قلل من حجم الكلفة قليلاً، بينما اختارا قائمة الطعام الأقل ثمناً.
هم كلفة حفل الزفاف في الساحل السوري، أمر لا يخص العروسين فقط، بل معازيمهما أيضاً، توضح “ديمة” 32 عاماً موظفة بالدولة. كيف أنها دُعيت مؤخراً لحفل زفاف أحد أقاربها، ففضلت عدم الحضور والاكتفاء بالمباركة للزوجين في المنزل.
تقول “ديمة”، إنها سألت عن إيجار فستان خاص بالمناسبة، ولم تجد واحد مناسباً بأقل من 300 ألف ليرة سورية. كما أنها تحتاج لشراء حذاء لا يقل عن 150 ألف ليرة. وأجور كوافير 100 ألف ليرة للشعر والمكياج. كما أنها تحتاج إلى تقديم نقطة لا تقل عن 100 ألف ليرة بالحد الأدنى. أي أن حضور الحفل سيكلفها 650 ألف ليرة. لذا قررت الاعتذار والاكتفاء بالمباركة للعروسين في منزلهما وتقديم نقوط أقل من نصف ما كان سيكلفها حفل الزفاف فيما لو حضرته.
يذكر أن التضخم وارتفاع الأسعار، غيّرا الكثير من عادات السوريين، سواء في حفلات الزفاف أو الضيافة وحتى نوعية الطعام وكل مناحي الحياة تقريباً.