الرئيسيةتقارير

كل ما تريد أن تعرفه عن اللجنة الدستورية منذ بدايتها حتى اليوم

فكرة الإنشاء.. مخاض عسير.. لقاء تاريخي.. أجواء صعبة

سناك سوري _ محمد العمر

انطلقت فكرة إنشاء “اللجنة الدستورية” في مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد في “سوتشي” الروسية أواخر كانون الثاني 2018، بحضور “ستيفان دي مستورا” الذي كان يشغل منصب المبعوث الدولي الخاص إلى “سوريا” آنذاك.

مجموعة الدول الضامنة في “مسار أستانا” (روسيا، تركيا، إيران) تبّت طرح تشكيل “اللجنة الدستورية” وترافق ذلك بدعم أممي من المبعوث الدولي، على أن تكون اللجنة بداية مسار الحل السياسي وفقاً للقرار الدولي 2254.

إلا أن مهمة إنجاز تشكيلة اللجنة لم تكن سهلة، وانتهى عهد “دي مستورا” قبل أن إنجازها، على الرغم من اتفاق الأطراف على تقسيمها إلى ثلاثة قوائم تضم كل قائمة 50 عضواً، يمثّلون ثلاث جهات هي الحكومة السورية في “دمشق” والمعارضة الممثّلة بالهيئة العليا للتفاوض، وقائمة ثالثة يشرف المبعوث الدولي على اختيارها من ممثلي “المجتمع المدني السوري”.

المخاض العسير

مخاض عسير شهده تشكيل اللجنة، وكانت الأسماء المطروحة في قائمة المجتمع المدني سبباً للتجاذب والأخذ والرد على مدار أشهر، مثل الخلاف الذي دار حول ما عرف بـ “الأسماء الستة” الذين اعترضت الحكومة على وجودهم في القائمة الثالثة وطالبت استبدالهم، لتعترض “تركيا” في المقابل على بعض الأسماء، وطال الخلاف حول تلك القائمة في الفترة التي تولّى فيها “غير بيدرسون” منصب المبعوث الدولي الخاص إلى “سوريا”.

تتالت التصريحات المطمئنة من مسؤولي الدول “الضامنة”، وبقيت على مدار أشهر تعد بظهور قريب للتشكيلة النهائية للجنة الدستورية، التي أبصرت النور بعد أكثر من 18 شهراً على إطلاق فكرة إحداثها، ليعلن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” رسمياً نهاية أيلول الماضي إطلاق اللجنة بعد أن اتفق الأطراف جميعاً على أسماء ممثلي المجتمع المدني !؟.

اقرأ أيضاً: المجتمع المدني في اللجنة الدستورية وضرورة ردم الهوة بين الأفرقاء – أنس جودة

بعد محادثات مكوكية أجراها “بيدرسون” مع مختلف الأطراف، تم الاتفاق على جعل رئاسة اللجنة الدستورية مشتركة إلا أن الاشتراك بدا فقط بين ممثلي الحكومة وممثلي المعارضة أما المجتمع المدني فلا يشارك على ما يبدو برئاسة اللجنة، فيما يختار كل وفد قائمة من 15 عضواً لتشكيل “اللجنة المصغرة” والتي ستتكفل بمهمة وضع صياغة للمواد الدستورية قبل عرضها على اللجنة الموسّعة، على أن يتم بعد الانتهاء من وضع الدستور عرضه على السوريين للاستفتاء عليه.

الاجتماع الأول

وأعلن “بيدرسون” بدوره أن يوم الأربعاء 30 تشرين الأول سيكون موعد انطلاق الاجتماعات بحضور الأعضاء الـ 150 في مقر “الأمم المتحدة” في “جنيف”، فيما اختارت الحكومة السورية “أحمد الكزبري” لرئاسة اللجنة ممثلاً عنها، اختارت المعارضة في المقابل “هادي البحرة” ممثلاً لها، وغاب تمثيل قائمة “المجتمع المدني” عن رئاسة اللجنة.

بيدرسون مع الكزبري والبحرة

افتتح “بيدرسون” الجلسة الأولى برئاسته إلى جانب “الكزبري” و”البحرة”، ووصف تلك البداية بأنها “لحظة تاريخية” فيما تلا كلٌّ من الرئيسين المشتركين، كلمة افتتاحية حول رؤية كل طرف لعملية صياغة الدستور، وابتعد الرئيسان عن الخطاب الاستفزازي والمتعصب خلال الافتتاح ما أضفى أجواءً من الإيجابية على الاجتماع الافتتاحي في اليوم الأول الذي انقضى بعد الكلمتين.

رحلة المصاعب ابتدأت في اليوم التالي الذي تم تخصيصه لجميع أعضاء اللجنة الموسعة الـ 150، ليقوم كل منهم بالتعريف بنفسه وطرح رؤيته بشكل مختصر لا يتعدى 5 دقائق لكل عضو، فيما تناوب “الكزبري” و”البحرة” على رئاسة الجلسة وإدارة الحديث.

وبالفعل لم يمضِ اليوم الأول حتى وقع أول إشكال بين المشاركين خلال كلمة لأحد أعضاء الوفد الحكومي أثارت حفيظة أعضاء وفد المعارضة ودفعتهم لمقاطعته، الأمر الذي أدى بـ”الكزبري” إلى تعليق مشاركة وفد الحكومة لمدة ساعة رفضاً لما جرى، فيما سعى “بيدرسون” إلى تهدئة الأجواء وإعادة الجميع للاجتماع مجدداً.

اقرأ أيضاً: اللجنة الدستورية تفتتح أعمالها وسائل إعلام سورية تبث كلمات وتقصي أُخرى

وذكرت مصادر مطّلعة في “جنيف” لـ سناك سوري أن الأجواء تتسم بنوع من الصعوبة المتوقعة، لا سيما خلال مداخلات بعض المشاركين من وفدَي المعارضة والحكومة الذين أحدثت عباراتهم ردود فعل مستفزة للطرف الآخر بما لا يتلاءم مع طبيعة الاجتماع والدعوة إلى الحوار والتوافق والابتعاد عن توتير الأجواء ومهاجمة الآخرين.

وشهد يوم الجمعة الفائت إقرار المشاركين لمدونة السلوك والإجراءات التي تنظّم جلسات اللجنة الدستورية بصيغتيها الموسعة والمصغرة، وأعلن “بيدرسون” أنه تم الاتفاق على التشكيلة النهائية للجنة المصغرة، كما تم إقرار أجندة اجتماعاتها التي ستبدأ يوم الاثنين المقبل لمدة أسبوع واحد.

كلمات المشاركين

“الكزبري” بدوره قال في تصريحات صحفية إنه لم يتم تحديد موعد لاجتماع اللجنة الموسعة من جديد، مشيراً إلى أن اللجنة المصغرة حين تصل إلى التوافق على منتج معين من الممكن عرضه على اللجنة الموسعة للنقاش سيتم دعوة المشاركين الـ 150 لتجديد الاجتماعات، معرباً في الوقت ذاته عن أمله في أن يكون الاجتماع المقبل في “دمشق”.

ونقلت مصادر مطّلعة مداخلات لبعض أعضاء اللجنة خلال الجلسات التي كانت بعيدة عن وسائل الإعلام، حيث جاء في مداخلة عضو اللجنة عن قائمة المجتمع المدني “عمر حلاج” دعوته للأعضاء الـ 150 المشاركين في اللجنة إلى بناء حوار مع بعضهم تحت سقف واحد لاستنباط توافقات حول آليات العيش المشترك للاتفاق على عقد اجتماعي يجمع السوريين كمواطنين ومواطنات متساوين في الحقوق والواجبات.

بدوره قال عضو اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة “إدوار حشوة” أن اللجنة الدستورية ليست هي الحل بل هي خطوة جريئة في الطريق إلى الحل، وعلى المشاركين التصرف كفريق واحد في صناعة الدستور لأنهم بشكل ما يمثلون “سوريا” ولا أحد أكبر ولا أهم من “سوريا”.

أما رئيس الوفد الحكومي “أحمد الكزبري” فقد اعتبر أن الاجتماعات كانت جيدة، وأن الحكومة السورية ستفتح ذراعيها لكل من يقترب بآرائه من الفريق الوطني، ولن يتم الالتقاء مع أي أحد يبتعد عن الثوابت الوطنية في أي مكان على حد تعبيره.

تغييب وإقصاء

الاجتماع الأول للجنة الدستورية شهد تغييباً واقصاءً من قبل وسائل إعلام المحسوبة على كل طراف، للمتحدثين الذين لا يتوافقون معها سياسياً، فمثلاً نقلت كلمة “أحمد الكزبري” الرئيس المشترك عن قائمة الحكومة من قبل وسائل إعلام حكومية ومحسوبة عليها لكن تم تغييب كلمة “هادي البحرة” الرئيس المشترك عن قائمة المعارضة، والعكس صحيح في وسائل معارضة ومحسوبة عليها.

اللافت أيضاً أن الحكومة السورية ووسائل إعلامها تسمي كل من هو ليس في وفد الحكومة السورية “الأطراف الأخرى” بينما تسمي المعارضة ووسائل إعلامها وفد الحكومة بوفد “النظام”، أما قائمة المجتمع المدني فهناك من يقسمها أيضاً جزء محسوب على الحكومة وجزء محسوب على المعارضة وهو ما يعمل أعضاء في القائمة على مواجهته والحفاظ على الدور المدني بعيداً عن الاصطفاف السياسي على أمل لعب دور في تقريب وجهات النظر وحمل القيم المدنية إلى اللجنة.

هجوم على اللجنة ودعم لها

تتعرض اللجنة لهجوم عنيف جداً من قبل مختلف الأطراف، الهجوم يتوزع بين من يهاجمها كلها ومن يهاجم أعضاء محددين فيها، وهو هجوم يحمل الكثير من القسوة أحياناً، فنجد من يخون الأعضاء سياسياً من جهة ومن يخونهم سياسياً من جهة أخرى، وهناك من ينتقد تسمية أعضاء بعينهم على اعتبار أنه يجد نفسه/ا أفضل منهم، في الوقت ذاته هناك من يجد باللجنة بداية خلاص من مستقنع موحل تغرق فيه البلاد.

واختتمت اللجنة الموسعة أعمالها مساء يوم الجمعة، على أن تلتئم اللجنة المصغرة يوم الاثنين المقبل، في ظل قلة اهتمام من السوريين بشكل عام بمجريات أعمال اللجنة الدستورية وقلة تفاؤل في إمكانية خروجها بنتيجة تنعكس على مسار الأزمة، إلا أن سابقة اجتماع السوريين من الأطراف المختلفة بشكل مباشر للحوار والتبادل تعطي بلا شك أملاً للتوصل إلى توافق عبر الحوار والتفاوض والابتعاد عن العنف، على أن تكون لجنة الدستور مفتاحاً لبدء عملية سياسية شاملة تفضي إلى حل سياسي طالما سمع عنه السوريون ولم يتلمسّوا شيئاً من ثماره بعد.

اقرأ أيضاً: سناك سوري يستطلع آراء سوريين حول اللجنة الدستورية: آمال وتفاؤل حذر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى