الرئيسيةتقارير

قمح سوريا ينجو… تحسن نسبي في الزراعة وطموحات بعودة ناجحة للخلف

تحتاج سوريا 2.5 مليون طن من القمح سنويا... وتزرع اليوم أكثر من مليون هكتار

سجلت سوريا زيادة لافتة في زراعة القمح هذا العام حيث وصلت إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في البلاد بحسب الإحصائيات الحكومية إلى 1.18 مليون هكتار وهو رقم أفضل نسبياً من السنوات السابقة حيث يسجل زيادة تقارب الثلث عن عام 2021.

سناك سوري – بلال سليطين

مساحة الأراضي الزراعية المحصودة في عام 2021 كانت بحسب الفاو 767 ألف هكتار من القمح، وهي بالمناسبة مساحة أفضل من تلك المحصودة في عام 2019 ما يعني أن هناك تحسناً تصاعدياً في زراعة القمح بالبلاد وفق الأرقام المعلنة حتى الآن.

118 مليون هكتار هو الرقم الذي أعلنته رئاسة مجلس الوزراء رسمياً يوم أمس، ويأتي إعلان هذا الرقم بعد مخاوف حقيقية على محصول القمح نتيجة الجفاف وتأخر هطول المطر هذا العام، حيث أن مزارعين في شمال وشرق سوريا كانوا في حيرة من أمرهم بزراعة أراضيهم حتى شهر كانون الأول من عام 2021 بسب تأخر المطر، إلا أنه وعلى مايبدو كثيرين منهم اتخذوا قرار الزراعة بسب هطول المطر الذي بدد مخاوف المزارعين الذين كانوا بالفعل قد بذروا محاصيلهم.

أي أن إعلان الحكومة السورية عن هذا الرقم اليوم يأخذ بعين الاعتبار أن هذه المساحة فعلياً قابلة للحصاد واذا كانت كذلك فهذا سيكون تحسناً نسبياً في الزراعة بزيادة 393 ألف هكتار عن المساحة التي حصدت عام 2020، وهو تقدم ملحوظ في عمل وزارة الزراعة السورية التي ترفع شعارات تحسن واقع القمح ولا تخدمها الظروف عموماً حيث تقول “الفاو” (منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة) إن البلاد تعاني من مشكلات زراعية أساسية (تحتاج جهد حكومي لحلها) منها موجات الحر، ارتفاع تكلفة المدخلات، محدودية توافر مياه الري، ارتفاع تكلفة الوقود للضخ، تقلص مساحة الحبوب القابلة للحصاد.

اقرأ أيضاً: المزارعون خائفون من زراعة أراضيهم بالقمح والمحاصيل الشتوية 

استيراد القمح ينهك الاقتصاد السوري

يعد استيراد القمح أحد أكبر الأعباء الرئيسية على كاهل الدولة السورية فهو مادة غذائية لايمكن الاستغناء عنها أو التساهل على عكس البينزين مثلاً الذي يستخدم للسيارات، فالقمح هو طعام السوريين الرئيسي ويدخل في صناعة خبزهم الذي يواجه أزمة تلو الأخرى واختراعاً تلو الآخر بسبب نقص القمح الداخل في صناعته.

تستورد سوريا بشكل شهري بين 180 إلى 200 ألف طن من القمح وفقاً لما قاله وزير الاقتصاد السوري محمد سامر خليل أواخر عام 2021، وهو رقم كبير جداً مقارنة مع حجم الانتاج العام الماضي، وهو عائد إلى مشكلات تسليم القمح للدولة السورية وهي تنقسم إلى جزئين سياسي متمثل بمحاولات قوات سورية الديمقراطية الاستحواذ على القمح، والثاني بسبب بعض المشكلات الإدارية في عمليات التسليم للدولة وظروفها والتي تم الاشتغال بشكل كبير على تحسينها، مثلاً قبل 2011 كان يوجد في سوريا أكثر من 140 نقطة تسليم قمح، بينما اليوم أقل من ربع عدد هذه المراكز.

حل المشكلة السياسية بحاجة توافقات وتفاهمات سياسية، بينما الموضوع الإداري يحتاج إجراءات وتسهيلات وخطوات مسبقة وحوافز تضمن وصول المحصول للدولة السورية بأكبر كمية ممكنة إن لم يكن كل الكمية خصوصاً وأن الدولة السورية في موضوع الخبز تستمر بالتزامها تجاه تأمين الدقيق للمخابز فمثلاً يعد مخبز البعث في القامشلي من أهم مصادر الخبز للمواطنين في المدينة وهو مخبز حكومي.

اقرأ أيضاً: البطاقة الذكية تصل إلى مخبز البعث… المواطن يفرح أم يحزن؟

أزمة القمح تصاعدية

أزمة القمح بالبلاد بشكل عام تعتبر مفاجئة من حيث التعامل معها لأنها كانت متوقعة منذ عام 2011 والذي كانت مخازن القمح فيه تكفي البلاد لعامين وفق بيانات المؤسسة العامة للحبوب والتي أشارت حينها إلى أن سوريا تحتاج 2.5 مليون طن من القمح سنويا، وأن مخازنها ممتلئة وإنتاج عام 2010 كان ممتازاً.

إلا أن الإجراءات لم تكن على قدر المسؤولية بدءاً من عهد “رياض حجاب” الذي تسلم الوزارة في بداية الحرب السورية ولم يتم اتخاذ الإجراءات التي تضمن ثبات المحصول واتخاذ آليات بديلة تشجع على زراعته في مختلف المناطق القابلة لذلك، ومن ثم من أتوا بعده جميعاً كانت زراعة القمح في عهدهم تشهد تراجعا يوماً بعد يوم حتى أن البلاد لم تصمد سوى عام واحد حتى استوردت الطحين عام 2012 بحسب بيان صحفي أدلى به نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد آنذاك “قدري جميل”.

عام 2014 كان بداية الانهيار الكبير حيث حصدت البلاد مالايزيد عن 1700 طن من القمح وضربها الجفاف، وفي عام 2018 بلغ الانتاج 1.2 مليون طن، ولا ننسى أن هذه الأرقام هي مجمل إنتاج سوريا وليس ما تستلمه الحكومة السورية من هذا الإنتاج، حيث أن كثير من هذه المحاصيل يخرج إلى خارج سوريا بطرق غير شرعية مثلاً.

اقرأ أيضاً: مكافأة القمح 100 والضريبة 150 عالكيلو.. ذهبُ سوريا إلى العراق

الحرب على القمح

تشهد البلاد صراعاً حقيقياً يرتقي إلى مستوى وصف الحرب على القمح، فهناك عوائق سياسية تحول دون تسليمه للدولة السورية من جهة، وعوائق أخرى متعلقة بمنع تسليمه لها وإجبار الفلاحين في مناطق السيطرة المختلفة على تسليمه لسلطات الأمر الواقع في مناطقهم، إضافة لعوائق طبيعية متمثلة بالجفاف وتراجع نسبة هطول الأمطار.

إلا أنه ربما يكون أبرز الأحداث هو حرائق المحاصيل والتي سجلت أرقاماً قياسية عام 2019 وهي حرائق هناك اتهامات يراها كثيرون منطقية بأن هذه الحرائق مفتعلة وجزء من محاولات إنهاك اقتصاد البلاد، وهذه الحرائق عادت بشكل أقل في عامي 2020 و2021.

الحاجة مستمرة

بالعودة إلى مساحة الأراضي المزروعة هذا العام فإنها بالتأكيد لن تكفي حاجة البلاد من القمح والتي كما أشرنا أعلاه تصل إلى 2.5 مليون طن سنوياً، لكنها ربما تكون بداية مرحلة تعافي خصوصاً وأن المطر أنقذ محصولنا الذي نجا من الجفاف والقحط، وبالتالي اذا استمر كرم السماء هذا العام يمكن أن تكون المحصلة جيدة نسبياً، لكن يبقى كرم الحكومة في أداء دورها وتحسين آلياتها وخياراتها بما يخدم الزراعة واستلام المحصول عساها تستدرك أخطاء الماضي وتعيد للسوريين اكتفاءهم الذاتي.

يذكر أن سوريا عرفت الاكتفاء الذاتي وفق المصادر الرسمية عام 1994 وخزنت احتياطاتها حتى عام 1996 بحيث ملأت مخازنها باحتياطي القمح قبل أن تبدأ بتصديره في العام ذاته حيث بلغ التصدير سنوياً قرابة 1.5 طن وهو ماكان يساهم إيجابياً في الاقتصاد الوطني وتوفير العملات الأجنبية، بينما حالياً يتم استيراده واستنزاف العملة.

اقرأ أيضاً: تقرير أممي: سوريا على مشارف مجاعة … إنتاج القمح انخفض إلى الربع

زر الذهاب إلى الأعلى