الرئيسيةرأي وتحليلسناك كورونا

في يوم الصحة العالمي.. عقوبات تكبّل الدول أمام كورونا

سلامة أي دولة من فيروس كورونا ترتبط حكماً بسلامة الدول الأخرى قريبة كانت أو بعيدة

سناك سوري _ دمشق 

اتّبعت الدول الغربية وفي مقدمتها “الولايات المتحدة” ودول الاتحاد الأوروبي خلال العقود الماضية طريقة مغايرة للحروب العسكرية المباشرة ضد الدول التي تريد استهدافها فوصلت إلى فكرة محاصرتها وفرض عقوبات اقتصادية عليها.

وبسبب طبيعة السوق العالمية والنظام الاقتصادي السائد والمتخذ من “الولايات المتحدة” مركزاً مرجعياً له، فإن المهمة باتت أسهل بالنسبة لـ”واشنطن” التي ما إن تقرر معاقبة بلد ما حتى تفرض على آلاف الشركات حول العالم الامتناع عن التعامل مع هذه الدولة أو تلك.

وتشمل العقوبات الاقتصادية سائر المجالات الصناعية والزراعية وصولاً إلى القطاع الصحي، حيث يصبح هذا القطاع في البلد المستهدف عرضة للعقوبات وربما يكون الأكثر تضرراً بسببها، فتمتنع شركات الأدوية عن تصدير الدواء وتمتنع شركات المعدات الطبية عن إرسال منتجاتها أو توريد قطع الغيار لمعدات طبية تم شراؤها سابقاً، وذلك بسبب سياسة العقوبات خصوصاً عندما تشمل البنك المركزي للدولة المستهدفة.

ينعكس ذلك حكماً على حياة مواطني البلد المستهدف، وقد يسهم في خسارة المرضى حياتهم بسبب نقص الإمكانيات الطبية وغياب المعدات أو الأدوية اللازمة، فتنتهي حياة إنسان بحجة أن الدول الغربية تريد معاقبة حكومة بلاده!

هذه المعادلة على قسوتها هي ما يسود في الألفية الثالثة رغم ما وصلت إليه البشرية من تقدم علمي وتكنولوجي مفترض أنه مترافق مع تقدم في القيم الإنسانية، إلا أن ذلك لم يحدث، بل عادت الحروب العسكرية المباشرة أيضاً إلى الواجهة، وكان القطاع الصحي أيضاً ضحية لها هي الأخرى، فلم توفّر الحروب المشافي والمراكز الطبية من دائرة الاستهداف، وساهمت في إضعاف هذا القطاع رغم أهميته خاصة خلال فترات النزاع.

اقرأ أيضاً:كورونا قد يخفّف العقوبات على سوريا .. وتدخل روسي في القامشلي

وفي بلدان الحروب ترتفع نسبة هجرة الأطباء والكوادر الطبية بما ينعكس سلباً على الحاجة الماسّة إليهم، إلا أنهم سيجدون أنفسهم خارج دائرة الأمان أثناء عملهم في المشافي والمراكز الصحية حين تعاملهم المعارك على أنهم أهداف مباحة بل وفريسة سهلة لن تستطيع المقاومة.

وحين تتم عملية محاصرة القطاع الصحي من كافة الجوانب وتمتنع شركات العالم عن التعامل معه، يصبح أكثر هشاشة وضعفاً، حتى أن عملية المقاطعة ومنع استقبال القادمين من البلد المستهدف ستنعكس على الوضع الأكاديمي للدراسات الطبية، فحين يتوقف التعامل وتبادل المنح والخبرات بين جامعات بلد معيّن وجامعات العالم، سيتشكّل عائق رئيسي أمام البحث العلمي في هذا البلد يحول بينه وبين الوصول إلى نتائج وإنجازات علمية جديدة.

وبالطبع، ينطبق كل ما سبق على النموذج السوري بوصفه حالة قريبة وراهنة، يعيش السوريون على وقع انعكاس نتائجها منذ سنوات وحتى اليوم، في ظل عقوبات أمريكية وأوروبية تمنع أي تعامل مع الداخل السوري من قبل الشركات العالمية، فيما تقول وسائل الإعلام الأمريكية أن العقوبات لا تذكر بشكل مباشر القطاع الصحي، وتتجاهل أن هذه العقوبات تصيب ضمناً هذا القطاع دون الحاجة إلى تسميته.

في الوقت الذي يشهد فيه السوريون الآثار السلبية للعقوبات عليهم، سواءً لناحية نقص الكوادر الطبية بسبب هجرة الأطباء أو الدمار الذي حلَّ بعشرات المشافي والمراكز الصحية جرّاء المعارك، أو نقص الأدوية إما بسبب استهداف مصانع الادوية المحلية خلال المعارك بالنسبة للدواء المصنّع محلياً، وإما بسبب العقوبات التي تمنع الأدوية المصنّعة في الخارج وتبعات ذلك من تضاعف سعر الدواء الأجنبي في حال توفر كميات مهربة منه.

هذه المعاناة التي لا تملك مبرراً إنسانياً وجدت لها الدول الغربية مبررات سياسية قائمة على شعارات معاقبة الحكومة ومحاصرتها، رغم أن جميع التجارب السابقة لتلك الدول أثبتت فشل سياسة العقوبات في إسقاط حكومة بلدٍ ما بقدر ما انعكست على حياة الناس في البلد المستهدف.

وفي هذه الفترة العصيبة التي تمر على دول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا وغياب وسائل إيقافه والحد من تفشّيه، تحيي “منظمة الصحة العالمية” يوم الصحة العالمي إحياءً لذكرى تأسيسها في 7 نيسان من كل عام، بينما تواجه عدة بلدان حول العالم بينها “سوريا” أزمة كورونا في ظل محاصرة قطاعاتها الصحية والطبية وحرمانها من الإمكانات اللازمة لوقف تفشّي المرض الذي أثبت أن تحييد القطاع الصحي عن الحروب والمواقف السياسية ضرورة أساسية لتوحيد الجهود الطبية في مواجهة الأزمات الصحية على غرار كورونا.

وبينما لا يميّز الفيروس بين مواطن من دولة معاقبة وبين مواطن دولة تفرض العقوبات، فإن العالم يتعرّض لاختبار التفضيل بين التمسّك بسياسة العقوبات والحروب وبين توحيد الجهود لمواجهة كورونا الذي أكد أن سلامة أي دولة ترتبط حكماً بسلامة الدول الأخرى قريبة كانت أو بعيدة.

اقرأ أيضاً:أزمة كورونا وآثارها على المشهد السياسي والعسكري في سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى