في ذكرى رحيل “أيقونة الرقة”.. حكاية عبد السلام العجيلي صانع الحكايا
"عبد السلام العجيلي" جمع الطب و الأدب و الوزارة و رحل حين اكتفى من الحياة
رحل “عبد السلام العجيلي” في 5 نيسان 2006 دون أن يستطيع تحديد يوم ولادته!، من الغريب أن قامة أدبية و سياسية ك”العجيلي”. لا تعرف تاريخ ميلاد محدد لأن مدينته “الرقة” لم تمتلك سجلات ثابتة للمواليد مطلع القرن العشرين مع بداية انهيار الاحتلال العثماني.
سناك سوري _محمد العمر
خرج من رحم البداوة و حياة البلدة الصغيرة البسيطة عند أعتاب الفرات نحو “حلب” بحثاً عن حلمِ إنهاء أوجاع الآخرين بدراسة الطب. و أتمّ تعليمه الثانوي في “حلب” إلا أنّ المرض أقعده لبضع سنوات انقطع فيها عن الدراسة لكنه تفرّغ خلالها لمطالعة الكتب. التي كانت متوافرة في “الرقة” و أغلبها كتب دينية و قصص شعبية لكنها نمّت لديه الحس الأدبي و حرّكت شغف الموهبة لديه. فنشر عام 1936 أولى قصصه بعنوان “نومان” في مجلة “الرسالة” المصرية مصوّراً حياة البداوة و بساطة أهل بلدته الوادعة .
ثم انتقل إلى “دمشق” لدراسة الطب ، و دخل في العاصمة إلى عالم السياسة و التظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي و النشاطات السياسية. فعاد إلى “الرقة ” حاملاً شهادة الطب و مغامرة السياسة و استطاع أن يدخل البرلمان السوري كأصغر نوابه سناً عام 1947 مرشّحاً عن “الرقة”.
سرعان ما انتقل “عبد السلام العجيلي” من العمل النيابي للتطوع مع “جيش الإنقاذ العربي” في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي. عقب النكبة عام 1948 و كان لتجربة الهزيمة أثرها في كتابيه “فلسطينيات” و “نبوءات الشيخ سليمان”.
عودة للرقة والطب
عقب تجربة النكبة عاد “العجيلي” لممارسة الطب في “الرقة” بعيداً عن السياسة و خفاياها و همومها و رغم أنه لم يتفرّغ للكتابة. إلا أنّ صفة الأديب طغت على “العجيلي” أكثر من الطبيب و السياسي فكتب مجموعة من القصص القصيرة في تلك الفترة. ك”الخائن” و “ساعة الملازم” و “رصيف العذراء” ليثبت اسمه بجدارة كواحد من رواد القصة القصيرة في العالم العربي. حيث نقلت أعماله إلى أكثر من خمس لغات عالمية و تم اعتمادها كمرجعيات أدبية في دراسات الأدب العربي.
اقرأ أيضاً:ذكرى رحيل السخرية.. الكوميديا السوداء في حياة “الماغوط”
مطلع الستينيات عادت السياسة لاجتذاب “العجيلي” مجدداً ، فتسلّم خلال سنوات انفصال “سوريا” عن “مصر” عدة حقائب وزارية. كالإعلام و الخارجية و الثقافة إلّا أن الكتابة بقيت تمارس سحرها عليه فأصدر المزيد من المجموعات القصصية المتنوعة. و أشهرها “قناديل إشبيلية” و وصف زياراته للمدن الأوروبية و رحلاته حول العالم على شكل حكايا كتبها في “حكايات من الرحلات “.
ثمّ ساهم “العجيلي” في الثمانينيات بقيادة حملة طبية لمواجهة انتشار مرض شلل الأطفال و استطاع نشر اللقاح المجاني ضد المرض. و القضاء عليه بنسبة كبيرة بين السكان .
واستمرّ “العجيلي” في الكتابة حتى آخر سنوات حياته حين أصدر كتاباً عن تجربته في “حرب فلسطين” و ذكرياته عنها. بعنوان “جيش الإنقاذ” في العام 2005 .
زهد “أيقونة الرقة” كما يسمّيه من عرفه من أهلها عن الدنيا بعد أن تشبّع بالحياة كما ينبغي لأديب و طبيب. حيث قال في أواخر حياته «لقد شبعت من الحياة، عشتها بكل ما فيها، و ما عدت أرغب بالمزيد». فرحل مطلع نيسان 2006 بعد أن بنى ميراثاً أدبياً يزيد عن أربعين كتابا من تأليفه و سمعة حسنة في العمل الطبي و السياسي. و اسماً مضيئاً في تاريخ الأدب السوري .