الرئيسيةسناك كورونايوميات مواطن

في العزل.. عرفتُ شعور المغتربين ولم أحسدهم

مشاعر دمشقي معزول…. ماذا ستفعلون عندما ينتهي الحجر؟

سناك سوري – يوسف شرقاوي

مثل طفلٍ ضائع لم يعرف من الدنيا كلّها غير “دمشق” ومقاهيها وحجارتها وأبوابها وأرصفتها، وجدتُ نفسي، أتأمّل تاريخها العريق في الصفحات، كالتائه عنها، من الصعب أن تُخبر إنساناً ما يعمل “مياومة” بين شوارع المدينة، أنه غير قادر على رؤيتها وركل حجارتها حتى إشعارٍ آخر!

الفرع الذي يجري من نهرها “بردى”، مقابلاً لمديريّة الآثار والمتاحف، تصير رائحته عذبة في ذاكرتي، كالنرجس، أنا الذي قلتُ لصديقي قبل الحظر بيومٍ واحد: «صوت فيروز لم يكن جميلاً، لأنها قالت إنّه من بردى!»، طالما مررتُ داخل سورها بشكلٍ آليّ، بلا أن أُدهَش بباب توما العريق، والقلعة الباسقة، ومقهى النوفرة صاحبة الحكايات القديمة، والآن، يبدو سورها فاصلاً إجبارياً بيني وبين الحياة التي أتمنى أن تعود.

كنتُ أمرّ بين أزقّتها حالماً بالسفر، باحثاً عن حياةٍ أفضل، وأنا أتذكّر كيف حُشِرتُ بين مئة جسد في باص النقل الداخلي، وركضي نحو سرفيس “برامكة – سانا” من كليّة الآداب في “المزة”، وأمامي وجوه الأطفال المتسوّلين، والباعة الصارخين على المعروك والأحذية، وأصحاب الأكشاك. والآن، أسأل: كم لبثتُ بعيداً عنها؟، وأتخيّل أنّ ما ادّخرته من نقود لن يعادل فكةً واحدة بعد أن أعود، مثل أصحاب الكهف.

اقرأ أيضاً:حظرتُ نفسي بعد معرفتي أنّ وضعي يمكن معالجته ببيت خالتي

الآن، أعرف شعور “محمد الماغوط” في قصيدته “أميرٌ من المطر وحاشية من الغبار”، بعد أن أمَرَ برجم “دمشق” وضربها بالحجارة، وهو يقول: «لكن اسملوا عينيّ قبل أن تفعلوا ذلك، إنني أحبّها يا رجال، ولن أخونها!»، وأعرف شعور أهالي ضيعة “غربة” في مسرحيّته حين يرجعون، وشعور الأم في مسلسلة “ضبّو الشناتي” حين تقف وتشمّ حجارة بيتها القديم، أتأكّد أنّ “ياقوت الحموي” كان على صواب في قوله: «ما عُرِفَت الجنة بشيء إلا وفي “دمشق” مثله».

سأتعربش على عجلات السرافيس والباصات، سأبتسم لموظّفي النفوس والهجرة والجوازات، سأضحك في وجه الشاب الذي “يخورفني” بسعر الدخان كل مرة، وسأعدّ حجارة “القيمرية” واحداً واحداً، وسأحمل بطاقتي الشخصيّة في “التكيّة السليمانية” وأرفعها نحو السماء، لأنّ “دمشق”، كلّما غابت تعود، حبلاً سرياً مرتبطاً بكلّ من فيها، وربما كانت هذه العزلة القسريّة التي فُرضَت على أهلها تُخبرهم: «إنّ أبشع ما في “دمشق”، سترونه أحلى ما فيها!».

يذكر أن الفريق الحكومي المعني باتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا يدرس آلية العزل التدريجية للمناطق السكنية ذات التجمعات المكتظة وقد تم عزل منطقتي “تل منين” شمال “دمشق” و “السيدة زينب”، إضافة لقرار وزارة الداخلية السورية الأخير بفرض حظر تجول يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع اعتباراً من الساعة 12 ظهراً وحتى السادسة من صباح اليوم التالي حتى إشعار آخر.

اقرأ أيضاً:سوريا: بعد 16 إصابة كورونا .. تشديد إجراءات العزل والحظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى