الرئيسيةحرية التعتير

في الطريق إلى “الشام” 7 ساعات من الذاكرة والأحلام

الخروج من “حلب” مغامرة خطرة والمرور بـ”حمص” يعيدنا إلى الضحكة الأولى

سناك سوري _ محمد العمر 

هنا كراج “الراموسة” في “حلب” يعيدنا هذا المكان إلى العام 2016 حين شهد معارك عنيفة بين الجيش السوري و”جبهة النصرة” لا تزال آثارها باقية على جدرانه وأرضه.

حفر صغيرة تركتها قذيفة ما كذكرى لمعركة جرت هنا، وبينما يسارع المسافرون حاملين حقائبهم الثقيلة للوصول إلى البولمانات تمرّ ذكرى الليالي العصيبة التي عاشها هذا المكان خلال تلك الأيام، فيما يعلو صوت المروّجين لشركات السفر بالنداء باسم المحافظات السورية التي تتوجه باصات شركاتهم إليها.

“ع الشام؟، أي ع الشام؟” لا أذكر أن أحداً في “سوريا” قد سمّاها خلال حديثه “دمشق” لكني سمعت ذات مرة أنها المدينة الوحيدة التي تمتلك “اسم دلع” فنقولها تحبباً “الشام”.

حتماً، لا يمشي باص السفر إلى “دمشق” في موعده لابد من بعض التأخير ولو في سبيل الحفاظ على العادات والتقاليد، فيما يجمع معاون السائق البطاقات الشخصية للركاب ويذهب بها نحو غرفة “التفييش” في الكراج لفحص بيانات المسافرين والتأكد من عدم وجود مطلوبين لسبب أو لآخر بينهم.

أخيراً ينطلق الباص لكنه لن يفعل ما اعتاد عليه قبل 9 سنوات من الآن حين كان يتجه نحو طريق “الشام” أو بالفصحى طريق “حلب-دمشق” الدولي، يُعتبر ذلك حلماً الآن، حلمٌ تقف المعارك والانقسامات السياسية وحتى تدخل الدول الإقليمية وحتى العالمية لمنع تحقيقه، يعيدني ذلك إلى 2016 مرة أخرى حين اجتمع وزيرا الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” و الأمريكي “جون كيري” حينها من أجل مناقشة الطريق الذي سيخرج منه مسلحو الفصائل من أحياء “حلب” الشرقية ومسار الباصات التي ستنقلهم، كنت أتخيل وزيرا خارجية أكبر دولتين في العالم يناقشا تفاصيل الطريق من “الراموسة” إلى “خناصر”! هل يعرف “لافروف” و “كيري” ماهي “خناصر”؟

“خناصر” بلدة غارقة في ريف “حلب” الجنوبي” غارقة في البساطة والنسيان، وعلى الطريق المؤدي إليها تنتشر البيوت الطينية التي تشعر معها أنك عدت إلى مطلع القرن الماضي، لكن “خناصر” وجدت نفسها فجأة تحتل نشرات الأخبار وعناوين الصحف.

كان ذلك بعدما أغلق رسمياً طريق “الشام” مطلع العام 2013، ما دفع الحكومة السورية إلى إنشاء طريق إسعافي للحفاظ على طرق الإمداد نحو “حلب” عبر ريفها الجنوبي وصولاً إلى ريف “حماة”، وهو ما سمي طريق “خناصر-أثريا”.

اقرأ أيضاً:“دير الزور” الطريق طويل والمقارنة مابين 2011 و2019 “موجعة”

طريق ضيق لا يعتبر مهيأً بشكل أساسي ليكون طريق سفر يخدم مدينة كاملة مثل “حلب”، والحل الإسعافي قبل سنوات طال به الزمن وأصبح أساسياً فيما استحال طريق “الشام” الأصلي حلماً بعيداً.

حواجز الجيش السوري تنتشر على طول الطريق، حيث يتوقف الباص بين الحين والآخر على نقاط التفتيش للتحقق من البطاقات الشخصية ودفاتر خدمة العلم، يستهلك هذا الطريق قرابة 3 ساعات من الوقت للخروج منه نحو الطريق الدولي ابتداءً من استراحة “حمص”.

3 ساعات تشعر أنها لا نهائية بينما يحيط الفراغ بجانبي الطريق الخطر الذي شهد عشرات الحوادث والضحايا خلال السنوات الماضية، في ظل غياب الحلول، إلا أنه المخرَج الوحيد للسفر خارج “حلب”، تشعر معه أن الخروج من هذه المدينة يحتاج خوض مغامرة كهذه.

ابتداءً من استراحة “حمص” يعود الطريق الدولي المجهّز جيداً إلا أن اسم “حمص” المتزامن مع مشاهد الدمار المتناثرة على جانبي الطريق يعيد إلى الذاكرة صورة “حمص” الأولى، تلك المدينة الوادعة التي تنال إعجاب كل من زارها، فلن تقابل أحداً زار “حمص” إلا وتسمع منه قصصاً عن دهشته بطبيعة سكانها ودماثتهم، أولئك الذين ارتبطوا في أذهان السوريين بالضحكة، دفعوا منذ بداية الحرب ثمناً باهظاً للابتسامات القديمة.

يطول الطريق إلى “الشام”، تتكرر الحواجز والأسئلة والأغاني التي يصدرها مسجّل الباص، لن تصل قبل 7 ساعات إلى “الشام” مهما حاولت استعجال الأمر، وإن كان السفر من شمال البلاد إلى جنوبها يكلّف 7 ساعات من الوقت فإنه سيكلف سنوات من الذكريات التي تركتها المدن التي يمرّ بها الباص.

تبدأ ملامح “الشام” بالظهور، لا يزال الدمار وآثار المعارك واضحين في مدخل كل مدينة سورية حتى ولو كانت عاصمة، كل منطقة من هذه المناطق تمتلك حكايتها، كل جدار له قصة لانهياره، قصص مليئة بالعنف والخوف والألم والخسارة، دفعت “سوريا” من أقصاها إلى أقصاها ثمناً باهظاً للسنوات التسع الماضية.

“الحمدالله ع السلامة” ينادي معاون السائق معلناً وصولناً إلى كراج “العباسيين”، يبدو الكراج نسخة مشابهة لنظيره في “حلب”، هنا أيضاً كانت المعارك على أشدها إبان وجود مسلحي “النصرة” في “جوبر” ومحاولاتهم التمدد نحو ساحة “العباسيين”، آنذاك شهدت هذه المنطقة معارك عنيفة خلفت خراباً شوّه مدخل “الشام”.

في الطريق إلى “الشام” لازلنا نحلم بالطريق القديم، بالانطباعات القديمة عن “حمص” و”حماة” و”إدلب” وكل مدن البلاد، لازلنا نحلم أن تستقبلنا “الشام” دون جدران مهدمة وآثار قذائف، لازلنا نحلم بـ”سوريا”.

اقرأ أيضاً:“صلاح الدين” ينهض بعكازين .. وحفنة من الأمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى