الرئيسيةحرية التعتيريوميات مواطن

في “أوروبا”.. رحلة الاندماج تبدأ من WC

يوميات مواطنة سورية في أوروبا: لا أستطيع قضاء حاجتي بحرية!

سناك سوري – خاص

بعد لحظات من وصولي لمقر سكني في “هنغاريا” .. كنت أتناول طبق المجدرة السورية مع البصل المقلي، حيث كان زملائي السوريين الذين سبقوني بالوصول إلى الجامعة، قد قاموا بإعداده على شرف الوافدين الجدد، يبدون في غاية النشاط والسعادة، بينما أقنع نفسي أن ما يظهر على وجهي من علامات الكآبة ليس سوى نتيجة طبيعية لمشقة السفر، لم أستطع مجاراتهم في الحديث، حيث طلبت الإذن بالصعود إلى غرفتي، ولكني توسمت خيراً، «غداً سأصبح مثلهم بلا شك»، إنها فقط البدايات الصعبة.

أدخل إلى شبكة الإنترنت بعدما استعادت بطارية الموبايل عافيتها، حيث كانت قد فرغت من الشحن بعد رحلة دامت 27 ساعة بين “اللاذقية” ومطار “بيروت” ومطار “صبيحة” التركي إلى أن وصلت إلى مطار “بودابيست” ومنه إلى مقر إقامتي دون أن أتمكن من شراء “البور بانك” قبل السفر الذي استنفذ كافة مدخراتي خلال عدة سنوات.. كي أصل إلى “أوروبا”.

تبدأ الإشعارات بالوصول فالجميع يريد الاطمئنان أردّ عليهم، وأحاول الاتصال بعائلتي عبر الصوت والصورة، من خلال المسنجر والواتس آب، دون جدوى، فسرعة الإنترنت في سكن الطلاب غير جيدة بالقدر الكافي لإجراء مكالمات الفيديو، وهناك الكثير من الطلاب والوقت هو وقت ذروة التواصل الاجتماعي .. يفشل الاتصال أكثر من مرة .. إضافة للمشاكل التي يعاني منها التطبيقان في “سوريا”، ستحزن أمي كثيراً، لقد وعدتها بأن ترى صورتي يومياً من ضمن وسائل إقناعها بالموافقة على سفري، ماذا ستفكر الآن “بكرة بقولوا من أول يوم، تغيرت وما عادت تحكي معنا”.

تفشل المحاولات واحدة تلو الأخرى .. تأتيني إحدى الرسائل من أخي «يا محلى النت في سوريا»، وأهمس في قلبي «يا محلى سوريا كلها».

أقوم بترتيب قسم من محتويات الحقيبة .. أتعرّف إلى غرفتي الجديدة التي سأتشاركها مع اثنتين من صديقاتي، ينتابني القلق من اعتيادي الدائم على الفوضى، من الآن فصاعداً ستحرمني قواعد الإتيكيت من حرية رمي الثياب والأغراض، في كل مكان كما كنت أفعل في “سوريا”. وسأضطر آسفة لارتداء قناع الترتيب المزيف تباً للإتيكيت.

اقرأ أيضاً: “رأس العين” بعيدة عن العين وليست بعيدة عن القلب

إطلالة جميلة للغرفة على فسحة خضراء مليئة بالأشجار .. لكنها لا تضم “برندة”، “راحت أيام البرندة والسطح”، لماذا تعتبر “البرندة” في “سوريا” من أكثر المعايير التي تزيد ثمن المنزل، تكاد تكون بأهمية المطبخ، حتى أن أصحاب البيوت التي لا تضم “برندة” من الإسمنت المسلح، يقومون بتركيب واحدة معدنية، أهو دليل على الفضول و”الحشرية” التي نتمتع بها، أم هو توق للحرية والهرب من جدران المنزل وقوانينه، أم أن الأمر لا يحتاج كل هذه الفلسفة الزائدة، فمعظم البيوت لا مكيفات فيها.

تعرّفت إلى “الحمامات”، لا ماء في “التواليت”، فقط المحارم الورقية، تباً لهم، كيف سيتم الأمر .. لماذا لا يتركون كافة الخيارات .. لماذا يجبرون الجميع على اتباع نمطهم، «مو ع أساس بأوروبا الواحد بعيش متل ما بدو» ها أنا ذا لا أستطيع قضاء حاجتي كما أريد، تخبرني صديقتي طرقاً متعددة كانت قد حصلت عليها من صديقاتها المغتربات في أرجاء أوروبا التي لا يوجد في جميع بلدانها ماء في التواليت (يمكن من شروط الاتحاد الأوروبي).

صديقتها التي هاجرت إلى السويد تستخدم علبة تملؤها بالمياه و تتصل بخرطوم ، تشرح لي أنها بحثت عنها من ضمن منتجات “إيكيا” في السعودية دون جدوى، أهز رأسي بالفهم، وكأني كنت أتسوّق يومياً في “إيكيا” فيما لا تزال رائحة سوق “أوغاريت” للبالة في أنفي، صديقتها الأخرى في “كندا”، قامت بإهدائها قارورة من البلاستيك المرن.. مع غطاء له ثقوب خاصة لرش المياه، بينما قامت ثالثة في “ألمانيا” بشراء “بخاخ الزريعة” واستخدامه، «وآخر شي فينك تستخدمي قنينة مياه عادية» ( يبدو أن الطبقية ستنتقل إلى هنا)، تختم الخيارات المتوفرة للتغلب على المشكلة العويصة، (يعني رح نصير نعبي المياه كرمال “التواليت” كما يفعل عدد من السوريين في القرى والمناطق التي تعاني من انقطاع المياه).

سأتبع النمط الأوروبي، سأكتفي بالمحارم الورقية، وأستغني عن المياه، أقرر في نفسي، (لازم الواحد يندمج بالمجتمع)، دون أن أهتم بالنتائج، فقد علمت بالأمر قبل قدومي عندما شاءت الصدفة أن يتساءل المفتي في “سوريا”، عن جدوى حياة الأوروبيين من دون رسالة، بينما علق أحد أصدقائي ممن يزورون أوروبا بين الفينة والأخرى، بأن التساؤل يجب أن يكون «كيف يعيشون من دون شطافات للتواليت». (من هون رح تبدأ رحلة الاندماج أسخر بيني وبين نفسي فيما لا أزال أفكر بـ”إيكيا”) .

أندسّ في سريري الجديد، على أمل أن يتغلب التعب على الصراع الدائر في رأسي، لا تتحقق الأمنيات دائماً حتى لو كنت في “أوروبا”، تمر الدقائق وينقلب العداد إلى مرحلة الساعات، وقلبي لا يتوقف عن تقريعي على ما اقترفه عقلي الذي يقف حائراً لا يستطيع الدفاع عن قراره، إلى أن ينقذني النوم مما أنا فيه، لتمضي ليلتي الأوروبية الأولى.

اقرأ أيضاً: أخبار البلاد .. البونات عادت.. والدولار إلى الجحيم ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى