الرئيسيةيوميات مواطن

العروسة التي انتظرتني 7 سنوات تحت وطأة الحرب والقذائف

سيارة جدي.. عادت العروسة

سناك سوري – عمرو مجدح

استقبلتها وهي تستريح من مشوارها الأطول بعد أن عبرت طريق حلب / اللاذقية بسلام فقد مرت سبع سنوات لم تستطع خلالها التحرك ومغادرة مكانها، مر عليها الشتاء سبع مرات ورغم برودتها من الخارج احتفظت بدفء داخلها، ذاب الثلج وأزهر الورد في الحي ثم اصفرّت وتساقطت أوراق الأشجار عليها أيضا سبع مرات في سبع سنين عجاف، وخلال تلك الليالي المجنونة بالرصاص و”الهاون” التي عرفتها حلب وهم يحاولون تقسيمها إلى شرقية وغربية مرت بجانبها القذائف وأصابتها الشظايا لكن “العروسة” كما كان يحب أن يناديها جدي عادت اليوم.

هكذا يروي “عبد الرحمن كامل” قصته مع سيارة جده “زهير” ويحكي مستفيضاً لـ”سناك سوري” حكايتها: «هي الآن أمامي في اللاذقية بأبهى صورها وكأن شيء لم يكن فسيارة الفولكسفاغن غولف الألمانية موديل ١٩٧٧ مازالت تحتفظ بنفس ذلك الألق الذي عرفته».

يضيف: «وأنا خلف المقود ينفتح أمامي صندوق الذكريات وكأني ألمح عبر المرآة الأمامية طفولتي وأرى نفسي داخلها بحجمي الصغير أجلس في الخلف عند “الباكاج” وهي مزدحمة بجدي وجدتي واخوتي ونحن ذاهبون لزيارة أقاربنا في دمشق أو لمزرعتنا في قرية بكسريا بريف إدلب أو مشاويرنا اليومية بين بيت أهلي بالقرب من منطقة السريان وبيت جدي عند تقاطع شارع شكري القوتلي وشارع بارون».

تختزل “العروسة” الكثير من تفاصيل سنوات عمره الثمانية والعشرون، يقول “كامل”، مستذكراً تلك الليلة بالقول: «في إحدى زياراتي لحلب خلال السنوات الماضية وأثناء تعزيل بيت جدي الذي رحل ٢٠١١ ولحقته جدتي بعد سنة واحدة وجدت مسجلة السيارة الكاسيت التي كانت تبهرني بألوانها في طفولتي والتي غيرها جدي بأخرى منذ مايقارب العشرين عاما لكنها لم تغادر مخيلتي وقررت يومها الإحتفاظ بها وأنني سأعيدها إلى مكانها في السيارة عند أول فرصة».

يكمل “كامل” رواية قصته لـ”سناك سوري”: «كان جدي وهو ممسك بعكازيه بعد أن داهمه المرض وأضعف قدميه يصف السيارة قائلا: “هذه قدماي” وكانت من هواياته التي يستمتع بها الذهاب إلى منطقة الميدان بشكل دوري لصيانة السيارة ويقصد محل صديقه الميكانيكي الأرمني “خاتشو” ويضع كرسيه ويراقبها وهي تتزين، بعد الحرب انقطعت أخبار “خاتشو” خاصة أن محله دُمّر بالكامل وفي رحلة إصلاح السيارة التي قمت بها مع والدي من بطاريتها إلى إزالة أثار الشظايا والفرش والتنجيد فُوجِئت بصوت صارخ بلغة عربية ركيكة قائلا: “أنا بعرف هالسيارة هي سيارة أبو كامل” لقد كان “خاتشو” الذي كبر كثيراً في السن لكنه مازال يحفظ بكل وفاء كل سيارة مرت على يديه مثل طبيب يتذكر مرضاه!».

يستذكر “كامل” بكثير من الوفاء سيارة جده “العروسة” التي لم تخذلهم أبداً قائلا : «السيارة التي عرفت جدي وجدتي وشهدت خطوبة أبي وأمي وطفولتي وأخوتي أقودها اليوم ومعي حفيد أبي من شقيقي الأكبر ولابد أن هذه اللحظات تخزن وتتشكل في ذاكرته وستأخذ مساحة وزاوية مليئة بالحنين كما حدث معي يوماً».

«خدمتنا سيارة جدي العتيقة سنين طويلة “طلع حقها” وتجاوز سعرها الأصلي وسعر السوق اليوم وهي تنقلنا بين المحافظات والمدن والعجيب أن المارة مازالو يستوقفوني دوماً سائلين إذا كانت للبيع»، يقول “كامل”، ويضيف سائلاً نفسه: «ولكن كيف نبيع كل هذه الذكريات؟ فحتى رائحة جدي مازالت ترفض مغادرتها».

اقرأ أيضاً: سبعينية ترفض المأوى وتنام في شوارع الدريكيش… من هي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى