عيد الأضحى والذبائح .. ماذا لو كان لا عنفياً؟ ناجي سعيد
تناقض بين العيد وبين الأضحية الغارقة بالدماء
للعيد معنى مختلف عند الأطفال عنه عند الكبار، ليس هذا غريبًا، فحدود العيد عند الطفل من الجهات الأربعة هي: الفرح/ اللعب/ أكل الحلوى، والحصول على “العيديّة”.
سناك سوري _ ناجي سعيد
ولو تأمّلت قليلاً في معنى العيد، “عيد الأضحى”، فأذهبُ مباشرةً إلى مرادف كلمة “عيد الأضحى”، حيث أن اسمه الآخر : ” عيد النحر”!! ومباشرة يأتي إلى المُخيّلة صورة المواشي وهي غارقة بالدماء.
وهنا السؤال المطروح، عن التناقض في المعنى اللغوي، فكلمة “عيد” تعني احتفال، كعيد ميلاد أو ذكرى حدث سعيد، والكلمة الثانية في المصطلح ” الأضحى”، تُفضي إلى صور ذبح المواشي لتلبّي معنى الأضحية الغارقة في الدماء.
وقد يرى البعض أن هذا الكلام مبالغ به، وناجم عن شخصٍ شديد الحساسيّة، وبالتالي رومانسي غير واقعي! فلنتعمّق قليلًا في التحليل، هل تؤثّر على الناس سلبًا ، فكرة جمع مصطلحَيْ عيد و ذبح، وبشكلٍ يغذّي العنف في الثقافة الشعبيّة.
لن أبالغ وأتطرّف برأيٍ حسّاس، حيث يختلف معيار الحساسيّة، بنسبة وجوده داخل كل إنسان. لكنّ ما يخطر ببالي للنقاش والتفكير، هو معنى الأسطورة الدينيّة التي تعلّمناها في حصص الدين والتاريخ.
حيثُ يعدّ هذا العيد ذكرى لقصة إبراهيم عليه السلام عندما رأى رؤيا أمره فيها الله بالتضحية بابنه إسماعيل، وبعد تصديقه وابنه للرؤيا، أمره الله بذبح أضحيةٍ بدلًا عن ابنه، لذلك يقوم المسلمون بالتقرب إلى الله في هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة، أو جمل) وتوزيع لحم الأضحية على الأقارب والفقراء وأهل بيتهم، ومن هنا جاءت تسمية عيد الأضحى.
وتختصر هذه الرواية المعنى الحقيقي “للأضحى”، فتقرأ من أساسيّات الرواية،توزيع لحم الأضحية على الأقارب والفقراء. ولو سلّمنا جدلاً بأنّ لكلّ فرض من فروض الدين، هدف نبيل، فلن نجد أنبل وأسمى من إطعام الفقير.
اقرأ أيضاً: التشبث بالرأي – ناجي سعيد
واليوم وبعد آلاف السنين من هذه الرواية، نجد بأن قلّة من الناس استمرّوا في التزامهم بالمعنى الحقيقي للأضحى! حيث “ينحروا” ليطعموا الفقراء. مع العلم بأنّ الحجّاج ضمن مراسم الحجّ يذبحون ضمن شروط مفروضة دينيًّا.
للأضحية شروط معينة يجب أن تتحقق فيها أولها أن تكون بهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم، وسنّ معين لها وغير هذا فتكون الأضحية غير مجزئة، ويشترط أن تكون خالية من العيوب، وأن تكون ملكاً للمضحي، وأن لا يتعلق بها حق للغير، وأن يضحى بها في الوقت المحدد، والنية، ويشترط لدى الحنابلة والشافعية التصدق ببعض لحمها وهو نيء.
وما نستخلصه هو تمامًا ما يؤكّد، على القدرة الماليّة للمُضحّي، بمعنى أن لا يستدين مالآً ليؤدّي فرض تقديم الأضحية.
ومن الجهة الأخرى، لا بدّ من التأكّد من صحّة وسلامة “الأضحية”، وألّا تكون في سنّ صغيرة.. حسنًا، وهل يفكّر من يلتزم بواجب الذبح، ليستسهل الذبح أن الخروف هو بديل ابنه؟! ألا يفكّر بمعنى آخر للتضحية، غير الذبح؟ لا أعلم، وكما يقول “أسعد” في ضيعة ضايعة: «شو شايفني أبو العرّيف، أو كنت وقت الحادثة؟ »
لا أودّ فتح النقاش حول المعتقدات والفروض الدينيّة، لكنّ ببساطة، نظامٌ غذائي أتبعه منذ ثلاثين عامًا (إلاّ شهر)، جعلني أُفكّر بمعنى آخر لذبح أضحية، لماذا لا تكون طعامًا آخر غير اللحوم المذبوحة؟ ولست أطلب أن يذبح الحجّ خسّةً أو بطّيخة، بل من الممكن أن يكون تقديم الطعام للفقراء – وهذا الهدف الأسمى- بعيدًا عن اللحوم والدماء.
فالولائم التي تحوي ما لذّ وطاب، من الممكن ألّا تحوي الذبائح. لكنّ الثقافة الشعبية، توارثت -وهذا له علاقة بالأسطورة الدينيّة- بأن تكريم الضيف، لا يكون إلاّ بذبح الخرفان والمواشي على شرفه.
السؤال المحرج، والمزعج لكثير من الناس، لماذا لا تتمّ مراسم الحجّ إلاّ بالذبح؟ هل لأنّ الذبح للشاة وليس لإسماعيل؟ ولو أن “الشاة” تعب بتربيتها ورعايتها، أحدهم، هل يقوى على ذبحها؟
إن أخطر مسألة في الذبح بأن الذابح حينما ينظرإلى عيني الأضحية، يرقّ قلبه ويتراجع عن عمله. وهل الواجب الديني، هو فرضٌ يمنع تدخّل الرحمة في قلب الذابح ليتراجع عن ذبح الشاة، وهل يُفكّر أحدهم ببديل التضحية الدموية؟!
وأخيرًا، إن طرحي قد يبدو مستحيلًا، فكيف يكون “أضحى” لاعنفي؟ إن الاشتقاق اللغوي “للأضحى”، يفضي بنا إلى كلمة “ضحيّة”، وما أستطيع جزمه في مسار اللاعنف، بأنّه يهدف إلى تحقيق المساواة دون الظلم الذي يُكثر الضحايا.. والخرفان المذبوحة.