الرئيسيةرأي وتحليل

عنف الولادة – ناجي سعيد

ليس من باب العادات والتقاليد.. لماذا لا يجب أن يرى الطفل أبويه يمارسان الجنس؟

يُقال: “الإنسان عدوّ ما يجهل”. وما لا يُعرف هو إمكانيّة أن يكون هذا الجهل هو من أخطر أسباب العنف، فالتشخيص الخاطئ لمعرفة سبب بكاء المولود لحظة خروجه إلى هذا العالم، تجعل الأطبّاء يصفعونه على مؤخّرته لإجباره على البكاء في حال لم يبكِ.

سناك سوري-ناجي سعيد

تبدأ الحياة بيولوجيّا عند الطفل بتغيير بيئته الأولى وهي بيئة مملوءة تماماً بالماء الأمينوسي، وهو السائل المحيط بالطفل داخل رحم الأم. فالقلب الذي يؤدّي وظيفة ضخّ الدمّ إلى أعضاء جسم الطفل، يضخّ الدم من الجهة اليمنى ليزوّد الجنين بالأوكسجين وذلك لعدم اكتمال الرئتين لعدم حاجة الجنين لها، فلا هواء داخل الرحم. وبالتالي فمن الطبيعي -وهذا من منحى علمي بيولوجي- أن يصفع الطبيبُ المولودَ الحدث على مؤخّرته، وهذا أقلّ ضررا من جزء آخر من جسمه، كي يُخرج السائل الأمينوسي الذي ملأ رئتيه قبل جهوزيّتها للعمل الطبيعي وهو استقبال الأوكسجين!.

وليس تصرّف الطبيب المُتسرّع أمرا طبّيا، بل أعتقد أنه نتيجة إصرار الأهل على الإطمئنان بأنّ مولودهما طبيعي ووظائف أعضاء جسمه تعمل على ما يرام. إنّ الصفعة التي تؤلم المولود فيبكي، هي عُنف ليس طبّيا، بل مُجتمعيا مفاده نفاذ صبر الأهل الذي يسمح لهم بأن ينتظروا الطفل كي يُطلق صرخة الحياة. ولو انتقد أحد هذا واعتبرني أُبالغ في ذلك، فأوضح بأن العلم، وتحديدا علماء النفس أثبتوا بأن تشكيل منطقة اللاوعي عند الطفل تبدأ من عمر صفر إلى سنتين. وهذه الصفعة وألمها يحدّدان ويشكلان لاوعي عند الطفل ردّة فعل على ألمٍ تلقّاه من الآخر، طبيبا كان أم أهل.

اقرأ أيضاً: العين مش بالعين وإلا العالم سيصبح أعمى – ناجي سعيد 

ولكن يأتي هنا دور الأهل لمعالجة هذا الخطأ العنيف، وذلك بتوفير بيئة آمنة تربويا مليئة بالحب والحنان من جهة الأمّ والرعاية والعطف من جهة الأب. شريطة أن لا يتبادلا عنفا معنويا أو لفظيا أو جسديا بحضور طفلهما. وقد تُنتهك خصوصيّة الطفل في حال شَهِد –حتّى لو صدفةً- والداه وهما يمارسا الحُبّ. فبحسب مفهوم الطفل، حين يراهما، يعتقد بأن والده يضرب والدته!، إذا فالعنف محيط بنا من كلّ جهة، ويجب أن لا نترك الأمور على غاربها، فليست المسألة كما يقولون: الولد بيجي وبتجي رزقته معه! فقد تكون هذه “الرزقة” عنفًا.

ولكن هنالك في الثقافة الشعبية مثلاً يحاكي طبيعة الإنسان الخيّرة: ابن ليلته بيعرف شيلته!! وهذا يدلّنا على أن لا نتدخّل إلاّ بشكل إيجابي لتنظيم تلبية حاجات طبيعية، ونلمّ بها جميعها. فالشائع لدى العامّة بأن حين يبكي الطفل، “بدّو ياكل”!!! فنجد طفلاً يكبر فيميل إلى تلبية حاجاته الفيزيولوجية ضمن مسار الغاية تُبرّر الوسيلة.

بمعنى أنّه حين يجوع، عليه أن يسدّ جوعه فورا، دونما أي معايير أو قيم، كمن يسرق ليأكل مثلاً. وعند بلوغه، يبحث عن شريك لتلبية حاجته الجنسية دون أي مشاعر وأحاسيس يشترك بها مع طرف آخر. فنجد الذكور يلتفتون إلى جسد جميل، عيون جميلة أو قدّ ميّاس. أمّا الإناث فيبحثن عن عضلات مفتولة، حتّى لو لم يتحلّى صاحبها بالإنسانية.

اللاعنف يولد مع الطفل، ونحن بوعي وعن قصد نقطع طريق نمو البشريّة الطبيعي الملي بالخير والحبّ. فنُنمّي ما يُسمّى بثقافة الموت لا الحياة. ونرى الكثير من الأهالي يتمتّعون بلعبة مع الطفل، بأن يقولون له: “سبّلو، ضربو”!! وحين يشتدّ عوده ويسبّ أو يضرب أحدا يُقيّمون الدنيا عليه، ويتساءلون: مين علّمك هيك ولا؟؟ متجاهلين الماضي الذي أمعنوا في تشويه براءته.

الطفل إنسان ناضج ينقصه عدم اكتمال جهاز النطق ليصرّح عمّا يجول بداخله. حين كنت أُكلّم ابنتي ذات  السنتين حينها بلغة سليمة، كان يستغرب من يسمعوني في السوق، مردّدين: شو بتفهم؟ فالكبار افترضوا عدم فهم الأطفال وابتكروا لغة هجينة: نبوّاا؟ ليسألوه إن كان يريد شرب الماء؟ وأعّي إن كان يريد الدخول إلى الحمّام؟.. وهكذا!! الأطفال تُولد بأجنحة، فلندعها تطير نحو اللاعنف.

اقرأ أيضاً: هل يولد الإنسان على فطرة الخير واللاعنف – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى