عندما يفوتُ الطالب فهم الدرس – أيهم محمود
الترف الأفغاني غير متاحٍ للعقول التي أدمنت الفشل تلو الآخر!
سناك سوري-أيهم محمود
تصاعدت منذ بداية هذا العام أصوات النصر والنصر المضاد، بدا المشهد وكأن الحرب بين مكونات الجسد الواحد لم تقع، عدنا إلى المربعات الأولى لكن مع انعدام ثقةٍ أكبر بين الرؤوس الحامية، اليوم ومع كتابة هذه السطور على وقع الحدث الأفغاني أرصد الأمل بتأسيس الحروب اللانهائية أو على الأقل حروب الأربعين عاماً، التي تبدأ بفرسٍ أو كلمة غير مناسبة وتنتهي بفاجعة لكننا لا نتعلم الدرس.
تحاجج الأطراف المتحمسة لاستمرار الحرب بضرورتها وبعدم وجود حل آخر غيرها، هم على حق جزئياً فقد أغلقوا بأيديهم وبإرادتهم الحرة الواعية كل المنافذ التي يمكن أن يمر منها حلٌ آخر، لكي يمنعوا أي طرف لا يملك رؤاهم من التوصل إلى حل آخر، الحلول الأخرى تعني تقاسم النجاحات وتقاسم الفشل مع الآخرين وهم يريدون حتى الفشل حقاً حصرياً لهم، فهذه ثقافة ما قبل المدنية حيث الجنون يقود إلى الفناء الحتمي.
قد يبدو الأمل الأفغاني واعداً لكل الأطراف الحالمة باستمرار الأزمة، حلٌ جميل، يكفي الثبات في المكان ويكفي استمرار الخراب لانتاج نصرٍ نهائي ولو كان فوق أنقاض بلد، للأسف الشديد حتى الترف الأفغاني غير متاحٍ للعقول التي أدمنت الفشل تلو الآخر، فمحددات الوضع الأفغاني واضحة، وثبات مقاومة الطرف المنتصر في أفغانستان لكل القوى الخارجية واضحة، لم يمنع التحالف التكتيكي الذي أبرمته القوى الجهادية مع الجانب الأمريكي في زمن الاحتلال السوفيتي لأرضهم من مهاجمة الاحتلال الأمريكي لاحقاً وبذات الزخم والقوة وبذات النتيجة أيضاً.
اقرأ أيضاً: كل سوري مشروعُ مدان حتى وهو جنين في بطن أمه – أيهم محمود
لا يتوفر لدينا هذا الأمل والصراع في أرضنا وصل إلى مرحلة قبول الاحتلالات المختلفة لا رفضها كما هي الحالة الأفغانية، هذا يتسق مع تاريخ المنطقة حتى في عصور قديمة سبقت العصر الإسلامي، منطقة عبور صراعات تقبل فيها الأطراف المحلية أن تندمج أهدافها المرحلية والاستراتيجية مع أهداف القوى الكبرى المتدخلة في المنطقة، لا أعلم إن كان هذا السلوك هو فرضُ خبرةٍ طويلة بواقع المنطقة ومحدداتها أم هو نتيجةٌ مباشرة للهوية الهجينة التي تراكمت تاريخياً في هذه المنطقة، لا تفيد هنا معرفة أسباب هذه الحالة فما نحتاجه من هذه المقدمة هو نتيجة بسيطة:
النصر بصيغته الأفغانية أمرٌ بعيد المنال، فهو في حالتنا لن يكون أكثر من نقل الولاء بين قوةٍ لاعبة في مصيرنا وأخرى.
في الجانب الآخر للأحلام الجميلة توجد قوانين الفيزياء والرياضيات التي لا يحبها جميع الحالمين في منطقتنا، قوانين الجوع، قوانين تصحر الأرض أمامنا وانتظار فَرَجٍ لن يأتي، قوانين من لا يعمل لا يستطيع التحكم بحاضره ومستقبل، قوانين هويةٍ لم تنضج بعد رغم مرور آلاف السنين، استمرار الصراع، واستمرار الرؤوس الحامية في ترويج مقدماته ونتائجه التخيلية يعني تفتتاً حتمياً لاحتمالات البقاء على قيد الوجود، بين محاولات خلق هويةٍ تخيلية جامعة وبين انعزالية تحت بند قوقعة الحماية يضيع الزمن بلا أي عملٍ مفيد، سوريا المفيدة ليست سوى نسخة عن لبنان المفيد الذي نعرف اليوم إلى أين انتهى، ونعرف أيضاً أن اقتطاعه من الجسد الأم لم يكن مفيداً لأحد فيه، في مقابل الانعزالية المفيدة نجد الأحلام الجمعية التي لا يعرف أصحابها طريقاً واضحاً لتحقيقها وفق خطوات محددة وواضحة وخلال سقف زمني مقبول حتى لو استمر عشرات السنين.
نتفق بدايةٍ مع كل الأفكار التي تنادي بهويةٍ أوسع، لا مكان للكيانات الصغيرة في خارطة البقاء، سوريا المفيدة هي سوريا التي تتوسع حدودها لا تلك التي تتقلص معالمها، بين الحلم القومي السوري وبين الحلم العربي الجامع أو الإسلامي الأكبر تضيع المشاريع والهويات وتضيع معها الأوطان طالما لا توجد رؤية واقعية لما يجري حقاً على الأرض، ولا توجد خطط عمل واضحة ومحددة لبلوغ الأهداف، الأحلام جميلةٌ دائماً، لكن جمالها غير مفيد في وقائع الإقتصاد، وفي وقائع تنافس البشر على الموارد، تاريخ الوحدة مع مصر كشف جزءاً من هذه الجوانب لكن سكان هذه المنطقة لا يريدون تعلم دروسهم من التاريخ البعيد ولا حتى من الحاضر الراهن.
أزمتنا أزمة هويةٍ غير مكتملة، هوية صلبة متماسكة قائمة على مصالح واضحة تربط بين أفرادها، خلق الهويات أو صيانتها يتطلب تفاهمات عميقة هادئة وباردة وهي بالطبيعة تتعاكس مع القوى التي تبحث عن انتصاراتٍ ساخنة لن تصل أبداً إلى جمال الحالة الأفغانية!، ربما يجب دراسة التاريخ الأفغاني قبل الحكم على صلاحية تطبيقه هنا، من يحلم بعودة الخلافة التركية كائن مختلف الهوية عن من يحلم بوطن عربي، بالنسبة لي أبحث عن هويةٍ أبسط بكثير، هويةٌ جامعة أتفق فيها مع جاري في البناء نفسه على حل مشاكل َمزمنة تتعلق بصيانة البناء الذي نسكن فيه، صعود سلم الهويات يبدأ بدرجاتٍ صغيرة، بدل الحلم بقفزة عملاقة واحدة تضعنا على سطح القمر.
اقرأ أيضاً: العلم تمرد وإبداع فلماذا حروب الأهالي؟ – أيهم محمود