علي محمد بعد فوزه بجائزة الإبداع العربي: أشكر فشلي و ضعفي
“ست عشرة جديلة” حصيلة سنوات من الإصرار، قصة شاب صنع من ألمه جسراً للنجاح..
سناك سوري – سناء علي
«كنت جالساً على شرفة المنزل، عند مطلع الفجر، حيث تشرق الشمس من وراء قاسيون الذي يمتد قبالتي، دخلت إلى الغرفة، جلبت قلماً وورقة بيضاء لأكتب صفحة كاملة عن الحياة والسماء والعصافير، كان عمري آنذاك 8 سنوات».
كانت هذه المرة الأولى التي يلج فيه “علي عمار محمد” عالم الكتابة وهو الفائز قبل أيام بجائزة أفضل مجموعة قصصية لعام 2019- 2020 على مستوى الوطن العربي في مسابقة الشارقة للإبداع العربية، متفوقاً على المغربي “عبد البر الصولدي”، والمصري “عمر السيد مصطفى بدوي”.
طالب الحقوق البالغ من العمر 22 عاماً لا يزال يذكر ردة فعل أمه التي بكت عندما قرأت ما كتبه في تلك الليلة حين كان طفلاً، واصفاً إياها بالداعم الأساسي وأول المؤمنين بموهبته التي ظهرت مبكراً.
الكتابة طوق نجاة وسلاح في وجه الألم..
«في طفولتي كنت أكتب رسائل إلى الله، والدتي، الفقر، وإلى أولئك الذين آذوني» يقول “علي” في حديث خاص لـ “سناك سوري”، إذ لطالما تواصل مع الله عن طريق الرسائل، ليعبر فيها عما هو بحاجته.. وقد كان الشعور بالسعادة أغلب ما يطلبه.
«أمي الحبيبة، أتمنى أن تكوني سعيدة لأنني هنا»، يتذكر”علي” واحدة من رسائله الطفولية إلى أمه فقد كان يرى متعة أكبر في الكتابة لها بدلاً من الحديث المباشر، لترد عليه بضمه إلى صدرها أو برسائل مشابهة، تضعها تحت وسادته.
الفقر كان الأمر الثالث الذي استولى على عقل ذلك الطفل وحفر في أعماقه كثيراً محرضاً إياه على الكتابة، دون أن تكون سوء الأحوال المادية لعائلته السبب، إذ أنه لم يشعر أنه فقير ولا مرة بل على العكس، كان مقتنعاً بأنهم من الأغنياء، وأن “بيجامته” المثقوبة أحلى من كل “بيجامات” العالم على حد تعبيره.
لكن الفقر كان بالنسبة له هو ذلك الطفل المنبوذ في المدرسة، الذي يقطن في الجبل البعيد حيث لا يسكن أحد، بثيابه الرثة ووجهه الذي لا يُصنّف من الوجوه الجميلة بحسب التقييمات في ذلك الوقت، ما تسبب بجعله وجبة دسمة للسخرية والاستهزاء من قبل الباقين الذين حاول “علي” أن يثنيهم عن فعلتهم تلك عندما كان يقول لهم «بكرة لما يكبر رح يصير حلو» كي يحبونه ويتقبلونه دون فائدة..
اقرأ أيضاً : دمشق.. شباب يرفض العنف والتنميط ويقول: «لا للتنمر والتحرش»
التنمر وآثاره..
«كيف استطعت أن تجابه الحياة؟ أتمنى ألا تكون قد تحولت إلى إنسان شرير» هذا ما سوف يوجّهه “علي” لرفيق طفولته فيما لو رآه الآن.
لم يكن ذاك الطفل وحيداً في معاناته، فقد لقي “علي” نفسه مصيراً مشابهاً، كان هو الآخر طبقاً على مائدة تنمر مجموعة من زملائه في المدرسة الذين كانوا ينعتونه بألقاب نسائية.. نظراً لنعومة ملامحه وبشرته البيضاء وشعره الطويل نسبياً، في تناقض مع رفيقه السابق، حيث كان “علي”، يجلس ولطوال 3 أعوام في مقعد مدرسي بين فتاتين.. «بين الفتيات كنت أشعر بالسعادة، ها أنا الآن أكتب عن ست عشرة فتاة».
اقرأ أيضاً : طفل سوري انتحر نتيجة التنمر وآخر أسعف إلى المستشفى
«الكتابة عندي مهنة بكاء خفي. قصصي هي دموعي التي لم أذرفها على خدي بل سكبتها على الصفحات قصصاً ونثراً ونصوصاً»، هكذا يصف “علي” علاقته بالكتابة، والتي أصبحت سلاحاً يواجه به ما تعرض له من في طفولته، خاصة بعض حالات الضرب من أحد أقرانه، لتمر السنوات بعدها ،ويرى “علي” صورة ذلك الشاب الذي كان محرضاً أساسياً للكتابة جراء ضربه المستمر له في المدرسة “خلف الدرج الكبير”، وقد فقد حياته في بداية الحرب، «لقد سامحته ودعيت له»..
كان الخوف حاضراً في حياة الشاب في كل مرحلة من مراحلها، ولا يزال يرافقه حتى الآن لكنه تعلم السيطرة عليه على حد قوله، وتحويله إلى إبداع، عبر تجسيد ذلك الألم الإنساني من خلال الكتابة، التي عمل على تطوير مهاراتها عبر القراءات الأدبية الكثيفة، والممارسة اليومية.
الانتقام عن طريق النجاح ..
يصف الشاب نجاحه بالفوز بالجائزة، بأنه انتقام من كل تلك الآلام، مضيفاً: « أشكر ذلك الطفل الذي كنته، أشكر فشلي و ضعفي الذي كنت أكرهه وأحبه بآن، أشكر كل الكلمات التي كانت أقسى من الصفعات، أشكر مدرس الفلسفة في المرحلة الثانوية الذي آمن بي، أشكر والدي الذي علمني الطيران من دون أجنحة وصنع مني رجلاً، إضافة لأمي التي علمتني كيف أحب أبي، كيف أحب الحياة»..
الطموحات والآمال..
يفضّل “علي” النجاح في بلده، ويدعو أبناء جيله للتمسك بأحلامهم، وعدم الاستسلام لليأس نتيجة كل الظروف الصعبة التي يمرون بها، مشيراً إلى أنه قرر إلغاء المشروع برمته قبل 9 أشهر من المسابقة، قبل أن تساعده أمه في العودة مرة ثانية وإكمال الجدائل بشكلها النهائي حيث حصلت على تقدير كان يحلم به.
تقدير ربما يلحقه ثانٍ ثالث من يدري، فهو يحضر مجموعة ثانية سينتهي منها قريباً، يقول إنها مجموعة قصصية مختلفة وجديدة كلياً عما جرت العادة في المجموعات القصصية، إضافة إلى نيته دخول عالم الرواية، مع رغبته في في جمع كتاباته المختلفة في النثر و النصوص والمقالات في كتاب إلكتروني أو ورقي.
اقرأ أيضاً : شعر وقصة السوري “أديب محمد” يدخلان مناهج التعليم في “السعودية” و”المغرب”
المجموعة الفائزة : “ست عشرة جديلة”
يشير العنوان إلى عدد القصص الموجودة في المجموعة والتي اختار أن تحكي بكاملها عن الأنوثة بالرغم من صعوبة ولوجه إلى عالم الأنثى، وسرد تفاصيل 16 بطلة نسائية تنوعت حكاياتهم بين زواج القاصر، والاغتصاب والوحدة والتهميش و الوأد بالحياة، وغير ذلك.. قضى عامين كاملين لإنهائها، واضطر لإيقاف دراسته سنة كاملة في سبيل ذلك..
«أريد أن نعيش، في وطننا، كبشر.. كشعب واحد نحب اختلافنا، نتقبله، أريد وطناً يسير فيه الجميع مبتسماً، محباً، ينظر إلى المرآة ليرى إنساناً يفخر به»، يختم الشاب القادم بقوة الواثق إلى عالم الأدب والثقافة في سوريا.
عناوين المجموعة :
ستّ عشرة جديلة:
الجديلة الأولى: خلف ستائر من ورق.
الجديلة الثانية: الأنثى المطمئنة الأخيرة.
الجديلة الثالثة: الطفل الذي ظل هناك.. يعد للأبد.
الجديلة الرابعة: أرض البرتقال المضمد.
الجديلة الخامسة: امرأة تحلم بحياة عادية.
الجديلة السادسة: بارد، ملون، وحزين.
الجديلة السابعة: الغول خلف السيدة.
الجديلة الثامنة: عندما سقط الحزن.
الجديلة التاسعة: كرز ومرآة ورماد.
الجديلة العاشرة: ثمن الكره.
الجديلة الحادية عشرة: قاف همزة غين.
الجديلة الثانية عشرة: فرصة رابعة لحبة بطاطا ثرثارة.
الجديلة الثالثة عشرة: النادلة التي صفعتني في المقهى.
الجديلة الرابعة عشر: يدان مهاجرتان.
الجديلة الخامسة عشر: جسدها خلف الكلام.
الجديلة السادسة عشر: موت سريالي.
ابن محافظة “اللاذقية” الذي يقطن في “دمشق”، يقول إن الكتابة تأخذ حيزاً كبيراً من حياته، وسبق أن حصل على المرتبة الأولى في مسابقة “سمعني صوتك” للتدوين الإلكتروني على مستوى “سوريا”، والتي أقامتها منظمة اليونيسيف في عام 2018 في مدينة “طرطوس”.
اقرأ أيضاً : “دلال عباس”.. بعينين مغمضتين نالت الماجستير بتقدير “جيد جداً”