عذراً رئيس الحكومة لكن سائق السرفيس أكثر أهمية
رغم أن عمل السائق يتقاطع مع عمل “رئيس الحكومة” إلا أن الأول سيبقى أكثر أهمية!
سناك سوري-رحاب تامر
كان ممتلئاً بنفسه لدرجة تخيلت أن صدره قد ينشق بأي لحظة من فرط التضخم، هذا ما آلمني، ليس خوفاً عليه لكن رأفةً بحال أكثر من 300 راكب تجمعوا بالكراج بينما عيونهم ترنو إلى صاحب المقعد خلف المقود، لقد كانوا -وكنت منهم- يتحينون تلك اللحظة حين يقف، لتبدأ عملية الهجوم نحو الباب، بينما سائق السرفيس يدخن سيجارته وبقرف بالغ يقول: “خمسات أربعات”.
أجل لقد تحول سائق السرفيس إلى أحد أهم المسؤولين في بلادي، ويا “بخت” من نال معرفة أو صحبة السائق، فهو بالتأكيد سيحصل على مقعد داخل سرفيسه بعد ساعات من الانتظار تحت العوامل الطبيعية بشتى أنواعها، بصراحة في تلك اللحظة يرى المواطن أن معرفة السائق أكثر أهمية من معرفة رئيس الحكومة بجلالة قدره، فما تفيده معرفة رئيس الحكومة أمام معرفة سيادة سائق السرفيس؟.
السائق تحول إلى شخصية اعتبارية في مجتمعنا بعد أن كان سابقاً شخصاً مهمشاً ومضرب مثل بالسوء، وبصراحة “معه حق”، فأهمية أي شخص أو شيء في مجتمعنا تبدأ من الحاجة له، وذلك السائق الذي ظل لعقود طويلة يعاني من عقد نقص تجاه الموظف والطبيب والمهندس…الخ، اليوم يتحول إلى مصدر حاجة لكل أولئك حتى يعودوا إلى منازلهم أو يغادروا صباحاً إلى عملهم، لدرجة أن الناس باتوا يحرصون على مد أواصر الصداقة معه.
اقرأ أيضا: أنا مواطن سوري “صالح” أريد أن أهدي الحكومة وردة و”شوية حكي”
الأمر الآخر الذي حول السائق إلى شخصية اعتبارية هو دخله الشهري والذي يجاوز الـ200 ألف ليرة، بينما لا يحظى أي مدرس أو مهندس بهذا الدخل الشهري، لدرجة أن السائق صار عريساً “مدسماً” لكثير من الصبايا، بينما يتسائل الناس بتندر، ياترى من دخله الشهري أكبر سائق السرفيس أم رئيس الحكومة.
بالعودة للحديث عن ذلك السائق “منتفخ الصدر” والذي يعي تماماً أهميته الحالية، وبعد أن اختار مكانه بعيداً عن الناس أشاح بنظره قليلاً إليهم بينما يده تمتد خارج الشباك بكل “تقل وأكابرية”، وارتسمت ابتسامة صفراء على محياه وهو ينظر إلى تدافعهم وركضهم باتجاهه، إنها عقدة الأهمية والكرامة مجدداً، فلتصعد إلى السرفيس وتصل إلى منزلك لابد أن تفقد شيئاً من كرامتك، ولمّ ننظر إلى الموضوع بهذه الطريقة، فالمنتظر لساعات طويلة لن يفكر بقصة الكرامة “كلها على بعضها”، وهذه ناحية أخرى يتقاطع بها عمل السائق مع عمل الحكومة ورئيسها، إلا أن حاجة الناس للأخير قد لا تلبى بمعظم الأحيان حتى بعد سنين من الانتظار، بينما حاجتهم للأول قد تلبى بعد عدة ساعات أو دقائق كل بحسب حظه.
صعد المحظوظون إلى السرفيس وكنت أحدهم، وانطلق رئيس الحكومة عفواً السائق، ومعه تنفسنا الصعداء، وفتحنا النوافذ سامحين للهواء أن يتسرب إلى صدورنا الضيقة عسى أن ينفخ بها قليلاً من الراحة بعد عناء، بينما ازداد صدر السائق انتفاخاً، سائلين المولى أن يزيده انتفاخاً فوق انتفاخ، ويزيدنا عنده حظوة فوق حظوة.
اقرأ أيضاً: تخوف شعبي على و”من” أناقة رئيس الحكومة؟!