“عبد المطلب الأمين” ساهم في استقلال “سوريا” عبر “نكتة”!
السفير الذي قال: “سوريا” لا تطمع باحتلال “الاتحاد السوفييتي”!
سناك سوري _ محمد العمر
يدخل شاب سوري يبلغ الثامنة والعشرين من عمره إلى مبنى وزارة الخارجية السوفييتية عام 1944 ويتجه إلى مكتب الوزير “فياتشيسلاف مولوتوف” المعروف بقسوته وتجهمه وقربه من “ستالين” شكلاً ومضموناً.
إلا أن الشاب السوري لم ييأس من طلب مقابلة “مولوتوف” أكثر من مرة بصفته قائماً بأعمال السفارة السورية في “موسكو” بينما كان الوزير الروسي لا يكاد يعرف موقع “سوريا” على وجه الدقة، إلا أنه وافق أخيراً على مقابلة الديبلوماسي السوري.
يعرّف الشاب بنفسه باسم “عبد المطلب الأمين” ويبادر بالتوجه إلى “مولوتوف” قائلاً «جئت هنا باسمي وباسم حكومتي وباسم الشعب السوري لأطمئنك وأطمئن حكومتك وشعبك بأنه ليس لدينا مطامع استعمارية في الاتحاد السوفييتي» فانتابت الوزير الغاضب نوبة ضحك طويلة استفسر من “الأمين” بعدها عن قصده ليرد عليه قائلاً «إذا لم تصدق أنه ليس لدينا مطامع باستعمار الاتحاد السوفييتي فلماذا تلاحقني المخابرات السوفييتية صباح مساء ولا تترك لي فرصة للتنفس؟».
فتح ذلك الدخول الضاحك باب الصداقة أمام “الأمين” ووزير الخارجية السوفييتي، ويذكر الصحفي “نزار صائب” في مقالة له عن “الأمين” أن تلك الصداقة ساهمت في إقناع “مولوتوف” أن يطلب من المندوب الروسي في مجلس الأمن “فيشنسكي” استخدام “الفيتو” عام 1945 ضد مشروع اتفاق فرنسي بريطاني لتمديد الانتداب على “سوريا” ودول الجوار، والخروج بقرار من المجلس يقضي بانسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من المنطقة.
هكذا ساهم “الأمين” من خلال نكتة في المساعدة على نيل الاستقلال، لتتجلّى قدراته الديبلوماسية كواحد من المؤسسين الأوائل للخارجية السورية في أربعينيات القرن الماضي بكل ما حملته تلك الفترة من مصاعب بين الانتداب والاستقلال ونشوء الدولة الحديثة.
اقرأ أيضاً:“فوزي الغزّي” أبو الدستور السوري
ولد “الأمين” في “دمشق” لعائلة السيد “محسن الأمين” أحد أهم المرجعيات الدينية الشيعية والفكرية الوطنية، والذي يُنسَبُ إليه حي “الأمين” في “دمشق”، كما يُنسَب إلى لقبه “المجتهد” المشفى الذي لا زال موجوداً حتى اليوم نظراً لأنه تبرّع بالأرض التي بُنيَ عليها.
“عبد المطلب” هو الولد الأصغر للسيد “محسن”، ويروي شقيقه “حسن” في كتابه “مستدركات أعيان الشيعة” أن “عبد المطلب الأمين” كان من جيل المتعلمين الناشئ في “سوريا” وتخرّج من كلية الحقوق عام 1939 إلى جانب إتقانه اللغات الإنكليزية والفرنسية والروسية.
تنوّعت مواهب “الأمين” وقدراته ومراكزه فهو ديبلوماسي ومحامي وقاضٍ وصحفي وشاعر و مدرّس، جمع كل هذه المهن في عدة مدن انطلاقاً من “دمشق” التي عمل فيها موظفاً في الخارجية ومن ثمّ وزارة الدفاع، إلى “بغداد” حيث امتهن التدريس، إلى “موسكو” والتمثيل الديبلوماسي، إلى “الكويت” ومهنة المحاماة، إلى “لبنان” واشتغاله بالقضاء، كل هذا الزخم في مسيرته أضفى على شعره لمسة عاطفية مميزة.
ومن اللافت أن “الأمين” عاصر “بدوي الجبل” وعمل معه في “العراق” وعاصر “نزار قباني” وغيره ولكنه لم يحظَ بما نالته تلك الأسماء من شهرة وصيت واسع على الرغم من شعره المميز والمبدع، وربما ساهم في ذلك تشتت قصائده التي يروي شقيقه “حسن” أنه كان يكتبها على علب السجائر وهوامش الجرائد كيفما اتفق، وقام شقيقه لاحقاً بطباعة ديوانٍ له جمع فيه ما استطاع من قصائده.
بحلول العام 1949 غادر “الأمين” حقل الديبلوماسية احتجاجاً على انقلاب “حسني الزعيم” وكتب قصيدة هاجم فيها “الزعيم”، ولعلّ أشهر قصائده وأبرزها هي تلك التي كتبها على وزن قصيدة “أحمد شوقي” في “دمشق” التي قال في مطلعها:
قم ناجِ جلّق وانشد رسم من بانوا مشت على الدهر أحداث وأزمانُ
فيما كان “الأمين” متأثراً حينها بنكسة حزيران 67 وقد ترك وظيفته في وزارة الدفاع مغادراً “سوريا” نحو “لبنان” حيث كتب يصف الهزيمة:
نَم وانسَ جلّق واندُب حظّ من هانوا على الأرائك أطفالٌ وغلمان
مع العدو رعاديد وأقفيةٌ مع الرفاق منافيخٌ وشجعانُ
مررتُ في معرض التاريخ أسأله هل للعروبة في البازار دكانُ
بعد ذلك ابتعد “الأمين” إلى بلدة “شقرا” اللبنانية في “جبل عامل” الذي ترجع إليه جذور عائلته ليفارق الحياة عام 1974 ويدفن هناك بهدوء بعيد عن صخب حياته الحافلة بالسياسة والصحافة والشعر والسفر.
اقرأ أيضاً:سوريا…ذكرى انقلاب الرئيس الذي انقلب على نفسه