عبد الرحمن طفل سوري بقدرات خارقة.. مختصون: ظاهرة عالمية
بالفطرة يقوم بأعمال تجعله علامة فارقة.. حالته يسميها الأخصاء “متلازمة اسبرجر”
سناك سوري – حسان ابراهيم
يشكل الطفل “عبد الرحمن الأسعد” حالة نادرة جداً في العام، ويظهر قدرات خارقة يعترف بها العلم والمختصون وصولاً إلى أساتذة الجامعات، فهو الذي يرسم من ذاكرته التسجيلة أبنية هندسية دقيقة، وينطق بلغات لم يتعلمها، ويتعامل مع الحاسوب والخليوي دون أن يتعلم عليهم، وغيرها من الظواهر التي جعلته حديث الناس.
كتابة وقراءة بالفطرة وباللغتين ..
المفاجأة وقعت قبل ثمانية أعوام، حينها تمَّ إيقاظي في ساعةٍ مبكرةٍ وعلى عجل بصوت ينادي (بابا تعال شوف عبد الرحمن)، هذا ما يقوله الوالد “حسان الأسعد” الموظف في شركة كهرباء “حمص” ويضيف: «بدافع الفزع والرهبة من النداء قمت مسرعاً، لأشاهد حينها طفلي “عبد الرحمن” جالساً في غرفة أخرى بمفرده وهو يقوم بكتابة الأحرف الانكليزية وأرقامها مع اللفظ الصحيح لها، إضافةً لمثيلاتها باللغة العربية بشكلٍ مذهلٍ لا يصدَّق، للوهلة الأولى كان تأثير ما رأيت صادماً بالنسبة لي، جلست مراقباً بلا حراكٍ ولا كلام، محاولاً إيجاد تفسيرٍ لما يجري، زوجتي وإخوته كانوا على نفس الحال مذهولين مما يرون أمامهم، بضع دقائق مضت مانعاً نفسي من معانقته والبكاء، إلى أن استسلمت أخيراً وكان ذلك، تلك اللحظة لن تمحى من ذاكرتي ما حييت».
اقرأ أيضاً:فنانة سورية سترتدي إكسسوارات حفلاتها من صنع طفل التوحد “زيد الشعراني”
‘‘عبد الرحمن’’ ومتلازمة ‘‘أسبرجر’’ ..
ويضيف الوالد :« بعد ما جرى طلبت من صديقي الدكتور “شادي رباحية” الحضور الفوري، والذي لبى النداء خلال دقائق ووقف مذهولاً مما سمع وشاهد، ليخبرني بأنَّ حالة “عبد الرحمن” هي من الحالات النادر حصولها في العالم بين الأطفال المصابين باضطراب “التوحد”، وبأنه بمثابة الكنز الذي لا يقدر بثمن، كانت مفاجأةً أخرى بالنسبة لي، وأنا أسمع بهذا المرض للمرة الأولى، بعدها عرضته على الطبيبةٍ الأخصائية “كارلا خوري” والتي أكدَّت بعد معاينتها له وإخبارها بما يقوم به، بأنَّه يعاني من إحدى اضطرابات طيف التوحد عالي الأداء والمسماة “متلازمة أسبرجر”».
و”متلازمة أسبرجر” يصاب بها من هم من أصحاب الذكاء الحاد وفق أخصائية المعالجة الوظيفية “ريم البقاعي” التي تضيف لـ سناك سوري:« الأطفال الذي يصابون بها قابلون للتعلم أكثر من غيرهم، إلاَّ أنهم فاقدين للتواصل البصري والتفاعل الاجتماعي، ولديهم نمط غذائي معين، وأسلوب معيشة خاص، لكن يميزهم سرعة التعلم».
عائلة “عبد الرحمن” تحاول أن تتعامل معه وفق الأسس السليمة حسب “البقاعي” التي تشير إلى أن والده دائم الاستفسار عن الطرق التي يجب أن يتعامل بها معه عند تعرضه لحالة ما، إضافة لعملها على تنمية تواصله البصري الذي يعتبر هو الخطوة الأهم في علاج طفل التوحد
اقرأ أيضاً:“لقمة حناين”.. فرصة مصابي الداون لعرض مهاراتهم أمام الشاشة
ذاكرة تسجيلة مذهلة
نزح “عبد الرحمن” مع عائلته من “الدار الكبيرة” إلى شارع الدبلان في مدينة حمص عام 2014، وهناك وقعت عيناه على أحد الأبراج التجارية الواقعة فيه يقول الأب لسناك سوري ويضيف:«فوجئت بأنه قام برسم البرج بتطابق شبه تام من دون تحديق مستمر به، ولاحقاً تكررت الحالة واكتشفنا أن لديه ذاكرة بصرية مذهل فهو يقوم بالنظر إلى أيِّ بناءٍ لدقيقة أو دقيقتين مستخدماً إصبعه في الإشارة إليه، ومن ثمَّ نتفاجأ برسمه له بدقةٍ عالية، المذهل أيضاً هو الزمن القياسي الذي يستغرقه ولا يتجاوز في أقصى الحدود ربع ساعة حسب الحجم والتفاصيل التي يحتويها، وكلُّ ذلك باستخدام قلم الحبر الناشف وباللون الأسود تحديداً».
الإنسان بشكلٍ فطري عندما يرسم فهو يقوم بمحاكاة الواقع من حوله، وهذا يتطلب منح موهبةً وحنكةً خاصتين، إضافةً لخبرةٍ جيدة في الرسم ثلاثي الأبعاد ضمن مساحةٍ ثنائية الأبعاد، وهنا أقصد المنظور أولاً والاتجاهات ثانياً، بحسب قول الأستاذ “حسين ونوس” مدرِّس مادة المنظور في كلية الهندسة المعمارية بجامعة “البعث” الذي أضاف قائلاً:«في حالة الطفل “عبد الرحمن” فإنَّ الموضوع يتم بمحاكاة فطرية كاملة، لكن المذهل هي الطريقة الصحيحة التي يرسم بها، معتمداً على ذاكرةٍ تسجيليةٍ فائقة الوصف وبتطابقٍ تامٍ مع تفاصيل المبنى الأصلي، من حيث عدد النوافذ والفتحات ونوعية أبواب مداخله وحتى الزجاج المكسور في أيِّ جزءٍ فيه، واللوحة التي رسمها لتقاطع شارع ‘‘الغوطة’’ وبشكل مسقطٍ رأسي وكأنه يراه من طائرة شيء لا يقوم به حتى أهل الاختصاص أحياناً، لقد أذهل جميع من شاهده عند زيارته الكلية في العام الماضي، وإذا ما تمت العناية به بالشكل الأمثل فإنه سيغدو نابغةً بكل ما تعنيه الكلمة في المستقبل ».
اقرأ أيضاً:“مريم” أحيطت بالمحبة والتحفيز فاعتمدت على ذاتها وانخرطت بالمدرسة
لغة ولكنة جديدة، و ثروة وطنية ..
شهادة أخرى عن قدرات الطفل “عبد الرحمن” الخارقة والغريبة، تحدَّثت عنها “ميسم الحصرية” أخصائية التربية الخاصة (توحد، نطق، تخاطب، صعوبات تعلم، استشارات نفسية) ومديرة مركز “ملائكة الجنة” في “دمشق” حيث قالت:«هناك لغة غير مفهومة يتحدث بها غير اللغات التي أعرفها ولدَّي إطلاع عليها، مما دفعني لعرض التسجيلات على عدَّة مختصين لأتفاجأ بأنَّها لغة “تشيكية”، ومن خلال الاختبارات التي خضع لها من قبلنا كفريق عمل توصلنا لنتيجةٍ تفيد بأنَّ ذكاءه يعادل ذكاء ثلاثة أطفال طبيعيين، وبحسب دراساتٍ علمية صدرت في ‘‘أميركا’’ فإنَّ حالته تشكِّل واحد بالمليون من كل طفل حول العالم بالنسبة لنوع الذكاء الذي يتمتع به».
ظواهر أخرى خارقة ..
معرفته بتوقيت الساعة أمرٌ مذهلٌ آخر يقوم به ‘‘عبد الرحمن’’ وبشكلٍ دائم بحسب ما ذكرت والدته وتضيف:« في العديد من المرات أسأل الأولاد عن الوقت لأمرٍ ما، عندها يجاوبني بسرعةٍ وهو مشغول بلعبةٍ وبدون أيَّة وسيلة حوله، حينها أذهب إلى غرفة أخرى لأجد الساعة بنفس التوقيت الذي ذكره وهذا الأمر لمرات متكررة»، أمَّا “نغم العبيد” معلمة الظل (الشادو) المعنية بمرافقته تقول:« منذ أربعة أشهر توليت مهمة المرافقة للطفل “عبد الرحمن”، أقضي حوالي ثمان ساعاتٍ معه يومياً ما بين مرافقته للمدرسة والمتابعة في المنزل، ما يميزه سرعة الاستجابة للمعلومات التي يتلقاها وتنفيذ واجباته فيما بعد، كنت شاهدة على بعضٍ من الظواهر الغريبة التي بدرت منه، حيث قام بكتابة كلمة غريبة وبشكلٍ صحيح ومع عرضها على ترجمان محلَّف أخبرنا بأنها كلمة باللغة ‘‘الروسية’’ وتعني (حفلة)، عدا عن إخباري بطريقة مبتكرة منه بشكلٍ حصري في تطبيق عملية الطرح الحسابي ونتيجتها صحيحة تماماً ».
اقرأ أيضاً:الطفل “زهير” وجد فرصة عمل في سن صغيرة ربما تكبر معه
الطفل من دون مدرسة
لم يتمكن الطفل “عبد الرحمن” من دخول المدرسة حسب والده “حسان الأسعد” الذي يشير إلى أن مديرية التربية لم تقبله بسبب حالته، وقد قدم تظلماً لرئيس الوزراء حول الأمر، وبعد ثلاث سنوات من طرق الأبواب وبفضل بعض الأشخاص الذين تضامنوا مع وضعي يقول الأب استطاع “عبد الرحمن” الالتحاق بمدرسة خاصة في العام الماضي كطالب في الصف الثاني رغم أن عمره 11 عاماً.
يناشد والد الطفل ذوي القدرات الخارقة الجهات الحكومية الاهتمام بولده ويقول إنه كأب مستمر في القيام بواجبه في تأمين احتياجاته، والبقاء بقربه ومعه طوال الوقت حتى تُضع قدراته في مكانها الصحيح ويأخذ حقه وفرصته.
مشاهدات
تبدو قدرات عبد الرحمن واضحة عند إمضاء بعض الوقت بمراقبته، كيف يتعامل مع الأشياء، الموبايل، الكمبيوتر، يبدو صامتاً غير متحدث مع الآخرين، لكن فجأة تكتشف أنه كان في قمة التركيز، فمثلاً كان النجار في المنزل يركب قفلاً للباب، وعبد الرحمن مشغول بشيء آخر، فجأة تقدم من العدة وأخذ بعض الادوات وذهب لصناعة قفل للباب تماماً مثلما فعل النجار.