الرئيسيةتقارير

شبهات فساد في “طرطوس” مشاريع استثمارية خارج إطار القانون

89 حادث صدم لمواطنين نصفها بسبب المخالفات والتعدي على حقوقهم

سناك سوري- نورس علي

تجاوزَ الشاب “محمود حموده” خلال سيره على الكورنيش الشرقي في مدينة “طرطوس” مئات الأمتار من الرصيف سيراً ضمن الشارع العام، وهو مدرك تماماً خطورة هذا السير في وقت الذروة ما بين الساعة الحادية عشرة والساعة الثلاثة ظهراً، ولكن إدراكه للفكرة لم يقيه من صدمة سيارة عابرة تركته مرمياً على الأرض وتابعت سيرها.

“محمود” ليس شاباً جاهلاً أو فاقداً للإدراك ليسير بين السيارات وقت الذروة، وإنما طبيعة المنطقة “الكورنيش الشرقي” لمدينة “طرطوس” المكتظة بمكاتب بيع السيارات الشاغلة لكامل الرصيف بسياراتها، فرضت عليه السير في الشارع، فهو لم يجد لنفسه مكان على هذا الرصيف المخصص له أساساً ويدفع ضرائب السير عليه للبلدية.

هذه ليست معاناة هذا الشاب وحده، وإنما هي أزمة تجتاح محافظة “طرطوس” بسبب إشغالات الأرصفة ومكاتب السيارات التي سلبت المواطن حقه في السير عليه، وأخذت الجزء الأعظمي منه في كثير من المواقع، والبلدية إما تدرك الأمر أو لا تدركه، وفي كلا الحالتين يبقى التعتير والحق على المواطن، الذي يجب أن يكون كما “سبايدر مان” يستطيع القفز بين السيارات العابرة.

إشغالات الأرصفة تسبب حوادث صدم للمواطنين

هذا الواقع تسبب عام 2018 بـ 89 حادث صدم لمواطنين في شوارع “طرطوس” بحسب مصدر في الهيئة العامة لمشفى “الباسل”، أكثر من نصف المصابين اضطروا للسير في الشارع نظراً لإشغال الرصيف المخصص لهم، ما أدى لتعرضهم للإصابة.

الإشغالات نوعان، الأول يتمثل بمكاتب السيارات التي تأخذ مساحات واسعة وتمارس المخالفات، والثاني الإشغالات التقليدية أمام المحال التجارية أو البسطات والكولبات، والاثنين يؤديان لنفس النتيجة، لكننا سنركز على مكاتب السيارات بشكل أكبر نظراً لكونها تحمل شبهات فساد واضحة، خاصة في منطقة “الكورنيش الشرقي” الممتد من دوار المصرف العقاري وصولاً إلى موقع الكراج الجديد، بمسافة تصل لحوالي عشرة كيلومترات.

بلديات محافظة “طرطوس” المسؤولة عن هذا الأمر لاتحرك ساكناً تجاه هذه المكاتب التي تشغل الأرصفة وتخالف الأنظمة والقوانين، وإن حركت ساكناً فهو لا يتعدى الحبر على الورق، بدليل أن تمدد مكاتب السيارات مستمر، لكن هل هي مخالفة أم لا؟

يخفف “نورس علي” وهو رئيس دائرة الأملاك في “بلدية طرطوس” من مسؤولية إشغالات الأرصفة عن الحوادث، ويقول إن السير في الشارع ثقافة عامة، ويضيف في حديثه مع سناك سوري إن ملفات مكاتب السيارات لدى الدائرة الصحية وليست الأملاك العامة. نافياً بذلك التقصير الذي ثبت خلال محاولات البحث عن إجابة لإشارات الاستفهام، من خلال رمي الكرة بملعب الدائرة الصحية المعنية أساساً بترخيص المكاتب فقط وليس بإشغالات الأملاك العامة.

قانون…. والقانون فوق الجميع كما يقال:

القانون يتيح إشغال الأرصفة وفق شروط منها ضمان حق المواطن بالسير عليها، ودفع بدلات تقدر بخمسين ليرة لكل متر مربع يومياً، لكن الكارثة أن معظم المكاتب التي تشغل الأرصفة غير مرخصة.

بعد البحث والتقصي اكتشفنا أن هناك 133 مكتب ومعرض سيارات في مدينة “طرطوس” لكن هل هي مرخصة؟! الجواب وعلى سبيل المثال الموقع الممتد من دوار “المصرف العقاري” على الكورنيش الشرقي وحتى موقع الكراج القديم، الذي يشغله حوالي عشرة مكاتب بيع سيارات، منها مكتبان فقط مرخصان، ورخصهم بأطراف المدينة وليست في هذا الموقع بحسب مصدر خاص في البلدية رفض التصريح باسمه لأسباب خاصة.

والأهم في هذا المثال كيف يسمح لهذه المكاتب بالعمل وإشغال الأرصفة دون ترخيص، علماً أن هذه المكاتب واضحة وعلنية، ويستطيع رؤيتها من لديه درجة رؤية واحدة، فكيف باللجان المعنية التي لديها عيون 10 على 10، وإلى من تدفع هذه المكاتب لكي تبقى!؟.

ماهو عدد المكاتب المرخصة؟

مع نهاية عام 2017 أحصت الدائرة الصحية وجود 12 مكتب سيارات مرخص فقط لاغير في مدينة “طرطوس”، ومن ثم أضيف لها 10 رخص عام 2018 ليصبح المجموع 22 مكتباً مرخصاً.

معاون مدير الدائرة الصحية “مازن علي” ورداً على سؤال سناك سوري حول عدد المكاتب في المحافظة قال إنها 133 لكنه لم يشر في الإجابة على سؤال كم عدد المرخص منها.

وإذا ماعدنا للإحصائيات السابقة والتي أعلنت بشكل رسمي وفيها مراسلات يمكننا القول إن 111 مكتب سيارات يعمل في “طرطوس” من دون رخصة ويشغل الأرصفة دون أن يدفع ضرائب للدولة، أي أن الرصيف “مشغول” و”المواطن” يمشي في الشارع، وخزينة الدولة تخسر حقوقها.

بحسبة بسيطة قمنا بها على أساس رسم الخمسين ليرة لكل متر مربع مضروبة بالمساحة التي تحتاجها كل سيارة من الرصيف وهي حوالي ستة أمتار مربعة، مضروبة بحوالي خمسة سيارات على الأقل لكل مكتب مضروبة بـ 100 مكتب على أقل تقدير غير مرخص، يصل الرقم إلى 250 ألف ليرة يومياً، مضروبة 360 يوم في السنة، ليكون الرقم النهائي حوالي 90 مليون ليرة سنوياً خسارة البلدية لصالح أصحاب المكاتب وعلى حساب المواطن المعتر المعرض في كل دقيقة لحادث صدم سيارة نتيجة إجباره على السير في الشارع بدل الرصيف المكتظ بالسيارات.

وهنا الجدير بالذكر أن أكثر منطقة مكتظة بمكاتب السيارات ومعارضها هي الكورنيش الشرقي للمدينة، ولا يفوتنا ذكر إشغالات الأرصفة ببضائع المحال التجارية في حي المشبكة وامتداد شارع الثورة، وكأنه جزء لا يتجزأ من هذه المحال، ويا ويله يلي بلامس غرض من هذه البضائع، وأيضاً دون مقابل مالي يعود لخزينة الدولة.

اشتراطات مزاولة المهنة تعقيد للإجراءات بغير هدف

معاون رئيس الدائرة الصحية المهندس “مازن علي” أكد أن من أهم بنود مزاولة المهنة مراعاة حسن الجوار وعدم التعدي على الأملاك العامة ووثيقة غير موظف وموافقة أمنية، ولكن بالمقلب الآخر تُعرف مهنة بيع السيارات بالوساطة بحسب تاجر السيارات “أصف” بأنها عملية توسط بين البائع والشاري لا يحكمها شرطاً وجود سيارات أمام مكتبه، مما يعني أنه لا ضرورة لإشغال الأرصفة بهذه السيارات.

التجار أو كما يعرفون شعبياً بالسماسرة يخالفون القانون المالي رقم /1/ للعام 1994 وتعديلاته بالقانون /18/ للعام 2007 جهاراً نهاراً بحسب ما أوضحه المهندس “محمود عبد الله” رئيس دائرة إعداد السياسات والاستراتيجيات في البلدية، لأنه يمنح الترخيص لمكاتب البيع بالوساطة باشتراطات أهمها عدم وضع السيارات أمام المحل أو داخله إلا بموافقة أصولية وفق القرار رقم /92/ للعام 1988 والمعدل بالقرار رقم /36/ للعام 2002 وهذا في الغالب لا يحدث، حيث تنتشر السيارات على الأرصفة، مما يضطر شعبة الإشغالات لتوجيه إنذارات متعددة بفواصل زمنية ثابتة قبل الخطوة الأخيرة وهي التشميع، حيث قدر مصدر خاص في شعبة الإشغالات عدد الإنذارات خلال العام 2018 بأكثر من 100 إنذار بعضها تمت المصالحة عليها ودفع غراماتها وبعضها شمع بالشمع الأحمر لحين إزالة المخالفة.

إضافة إلى أن صالات العرض والبيع خاضعة للترخيص المؤقت ضمن المدينة لعدم وجود منطقة مخصصة لها، وهي مصنفة ضمن صناعات الصنف الثالث وفق المرسوم التنظيمي رقم /2680/ للعام 1977 كما نص عليه قرار وزير الإدارة المحلية رقم /5373/ للعام 2000، حيث يتقدم طالب الترخيص بطلب خطي موثق لدى كاتب العدل بقبول الترخيص المؤقت على الانتقال للمنطقة المخصصة عند إحداثها وتجهيز بنيتها التحتية.

شهادات على سوء الاستثمار

مختار حي العريض “بشار حاج معلا” وعضو مجلس مدينة “طرطوس” ليس ببعيد عن الأجواء العامة لظاهرة إشغال الأرصفة بالسيارات ومنع المشاة من السير عليها، حيث أكد أن غالبية مكاتب بيع السيارات بالوساطة غير مرخصة وتستثمر الأرصفة أمام مكاتبها دون مقابل وبمعرفة الجهات المعنية بالأمر، وتساهم بخسارة البلدية لمئات الملايين سنوياً على حساب بعض ضعاف النفوس، والأهم أنها تمنع المشاة من السير عليها نتيجة إشغالها بالسيارات ضمن مواقف غير مرخصة، وتعرض حياتهم للخطر، فلا قانون ناظم يحكمها إن لم تخضع للترخيص أساساً.

اقرأ أيضاً “طرطوس” مياه مهدورة منذ عامين “بعلم البلدية”

مفارقات

حين أدركت الدائرة الصحية التي كانت تعنى ما قبل العام 2017 بإشغال الأرصفة من قبل مكاتب بيع السيارات بالوساطة ومعارض السيارات المعنية أساساً بترخيصها ومزاولتها المهنة، أن ظاهرة إشغال الأرصفة هي ظاهرة قائمة ولا يمكن قمعها، وذلك نتيجة رصد واحصائية قامت بها على أرض الواقع، قررت تنظيمها والاستفادة منها عبر فرض رسوم على إشغال الأرصفة بعدد محدد ومدروس من السيارات لا يتجاوز ثلاث سيارات لكل مكتب، مع فرض احترام حقوق الجوار وعبور المشاة وأهمية الرصيف في كثير من المواقع المكتظة بالمارة، صدرت الدراسة بهذا الخصوص ورفعت للمجلس البلدي وصدر القرار بها، ولكن بعد فترة ونتيجة مخالفة وجود شعبة الإشغالات ضمن الدائرة الصحية وفق النظام الداخلي للبلدية، عادت صلاحيتها وقراراتها وسجلاتها لدائرة الأملاك ولم نعد ندرك ماذا حل بالقرار وكيف كان التنفيذ، ولكن تقاذف المسؤولية نهج أساسي لكل قاصد لها.

إغلاق الرصيف

القاضي “محمد زين” رئيس بلدية “طرطوس” أكد أن البلدية لم تمنح أي ترخيص لإشغال الأرصفة، والبلدية بالغنى عن الإيرادات التي يمكن أن تحقق من تأجيره، ولو عدنا إلى قانون السير لوجدنا أن وقوف السيارات على الأرصفة ممنوع مهما كانت الأسباب، وهذا يؤدي إلى أن واجب قمع هذه الظاهرة طالما لا يوجد تراخيص يقع على عاتق شرطة المرور، وبكل الأحوال ضمن خطتنا لهذا العام نقل جميع معارض السيارات إلى موقع قرب المدينة الصناعية، أي خارج المدينة.

بدورنا يجول في ذهننا سؤال كيف تقوم البلدية بتوجيه إنذارات لمخالفات إشغال الأرصفة من قبل معارض ومكاتب بيع السيارات طالما أن هذا الوقوف المخالف يقع على عاتق شرطة المرور حالات متابعته وقمعه!

المنتظر؟

واقع إشغالات الأرصفة يفتح الأمور على احتمالات واسعة لا يبددها إلا إعادة الحقوق لأصحابها، فالمواطن يريد استعادة رصيفه، ويريد من الدولة أن تستعيد حقها في الإشغالات واستثمارها من قبل أصحاب المكاتب وغيرهم، ويريد أن يحاسب من ترك هذه الإشغالات تسرح وتمرح هكذا في المدينة، ويريد محاسبة لجان المتابعة والمراقبة.

كما يريد ألا يكون هناك حملة لإزالة الإشغالات تستهدف الفقراء الذين يتعيشون من بسطة هنا أو هناك، وإنما يتم البدء من الأقوى والأكثر نفوذاً وفائدة وصولاً للأضعف.

اقتراح:

يقترح أحد الذين التقيناهم أن يكون هناك مدينة مكاتب ومعارض سيارات ويلزم الجميع بالانتقال إليها، ربما تكون جزءاً من المنطقة الصناعية وممكن أن تكون منطقة مستقلة لوحدها، وهنا لابد من الإشارة إلى أن مشكلة إشغالات الأرصفة ليست المشكلة الوحيدة التي لم تجد البلدية حل لها رغم معرفتها بوجودها، حيث تستمر مشكلة الواجهة البحرية أحد أهم وأعقد المشاكل الطرطوسية منذ أربعين عاماً دون حل، يضاف إليها مشكلة إشغالات الحدائق العامة واستثماراتها بأموال بخسة على حساب المواطن المنتوف.

اقرأ أيضاً مجلس مدينة “طرطوس” يزيل مخالفات الأكشاك وإشغالات الأرصفة… هل يصحح مسار المنح والترخيص؟

مجلس جديد

ينتظر المواطن من المجلس المحلي الجديد في محافظة طرطوس أن يعيد للمواطن حقه ويحول دون استغلال رصيفه ودون خسارة موارده.

*هذه المادة أعدت بالتعاون مع حملة #دورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى