إلى صاحب القرار – شاهر جوهر
القائد. المفكر لكل زمان ولكل مكان. من خيمة ضيقة بحجم وحدتي أبلغك سلامي و خيبتي. سلامي أنا فقط. وليس أمنكم. فالمطر المثقل بالغبار والمحمّل بعويل النسوة والأطفال الصاعد إلى الله يتساقط بكفر فوق خيمتي. ويخبرني ويخبر الأصدقاء والأعداء أن أمنكم لا يكفيني.
سناك سوري – شاهر جوهر
مطر يبلل لحيتي كل حين. يزعج زوجتي كل حين. ويؤنسني في وحدتي. و تحت شعارات ووعود أمنكم الزائفة تدلف كرامتي. لا داعي للبكاء أمامك الآن. فحبات المطر دموعي لو تدري..
أعرف أن اسمي غير مهم. وأفكاري بالنسبة لك مصطنعة. ومزاحي مع زوجتي وطفلي لا يضحكك. وأدري أن جراحنا المندملة لا تثير أحد. بقدر ما تغري الجميع جراحاتنا المفتوحة على الوجع والتشرد .
إلى صاحب القرار
أردت أن أبلغك رسالتي لا أكثر. وأن أخبرك أن أحدهم هنا يتجمد وحسب. صحيح أن الأمر يبدو مبتذلاً لك. لكنه بالنسبة لي و لنا جميعاً هو أمر مصيري. فالسلام .. الأمن .. الاستقرار كل ما أشتهيه مع عائلتي هو ليس كسلامكم و أمنكم.
أردت أن أخبرك أن لا طائل لي مما يجري. فهذه ليست حربي.. لم تكن يوماً حربي. إنها حرب صبيان خصيان أرادوا أن يجربوا فحولتهم على المستضعفين مثلي. أما الآن بعد سنوات يبدو اني سأبدأ و أحارب حتى يعيش ويحيا إبني.
كان بالإمكان أن أشير باصبعي إليكم وأقول بحدة “لقد خنتم بلادنا”. لكن لم أجرؤ يوماً على فعل ذلك. وحين تجرأت وفعلتها عرفت أني وصلت متأخراً. وأن إنسانيتكم قد ماتت. وليس هناك ما يثيرها سوى القسوة . لا الكلام اللين.
اقرأ أيضاً: ماذا حدث بعد ليلة عاصفة؟
إلى صاحب القرار
هزيل بلا أمل وبلا حب أنا
ثلاثيني ولدت قبل سبع سنوات وحرب لو تدري
مثقل بالنزوح . وبحقائب السفر التي أثقلت ظهري
كتبت قصص كثيرة لأناسٍ رحلوا بلا جنازة .
أنواع مختلفة من البشر لم يريدو سوى البقاء في المؤخرة. لم يكن ليهمهم اقتتالكم على النفوذ والسلطة. همهم الوحيد هو الأمن. الأمن الذي لن تقدروا يوماً على فهمه.
إلى صاحب القرار
بعد ثلاث سنوات من اللجوء قالوا لي أن البلاد أصبحت في حال جيدة. فالكل هناك كان يحملق في عيناي على الدوام في صهيونية عربية حقيرة .
فأنا أذكر جيداً كيف طلب الضابط يومئذ هويتي ثم جدل شاربيه وقال لي بحدّة:
– “لاجئ ولص”؟!
قلت له :
– “لا سيدي أنا عربي سوري ولم أسرق . أنا لا أعض اليد التي تطعمني”.
كان الهدوء سائداً . ولم أسمع سوى هرولة قلبي. ثم تجوّلت عيناه الواسعتان على جميع العمال . و سأل :
– “هل هناك سوريين آخرين بينكم”؟.
كأنه يسأل “هل هناك لص آخر”. رد عليه مدير ورشتنا وهو مواطن محلي:
– “الكل مواطنون محليون . هو السوري الوحيد بيننا . بدأ العمل معنا منذ أسبوع”.
وكأن جوابه هو الآخر كان “لا لص سواه بيننا”. بعدها تم تحميلي مثل كبش أجرب في سيارة وقذفي مع عائلتي خارج البلاد. كان الأمر مبتذلاً جداً. صحيح أني قد أموت بأي لحظة هنا . لكني تخلصت من تلك العنصرية.
أنا لم أسرق. أنا لا أسرق. حلفت لهم مئة يمين أني لم أفعل ذلك. لقد قال لي أحدهم وهو يضربني أثناء التحقيق “أنتم دمرتم بلادكم بأيديكم وتريدون أن تدمروا بلادنا أيضاً. لن تحلموا بذلك”. لا أقول أننا نحن السوريين ملائكة. لكننا لا نعض اليد التي تطعمنا.
أعتقد أنها عنصرية سيئة. لكنه أمر سيء لنا كإخوة أن يتم التعامل معك كمذنب على الفور في نظر السلطة فقط عندما يحكموا عليك من جنسيتك. لهذا السبب عدت سيدي .
ربما لا يستوجب منا أن نستغرب منهم ذلك . فيكفي كم خنتم أنتم بلادنا وكم كذبتم في وعود السلام. فحكومة بلادنا المركزية لا تضم سوى العجزة والمخنثين. ولطالما ردد رئيسها في أيام السلم والرخاء لنا “أنتم أبنائي . ويا أبنائي . وأيها الأبناء” . ورؤساء الائتلاف الحزبي المعارض بمؤخراتهم الحمراء لا يلائمهم في مناداتنا – منذ سبع سنوات – أكثر من إسم “الإخوة . وأيها الإخوة” . لكنهم لم يخبرونا إخوة ماذا. ربما لأنهم جميعاً “أبناء الزنا وإخوة الكلاب”.
اقرأ أيضاً: ست شبان ينقبون عن الآثار برعاية الخبير “حبّو”
إلى صاحب القرار
لصوص وسماسرة صغار في كل مكان. في البرلمان. في المجلة. في القصر. في التلفاز. في الحزب. في مؤتمرات السلام. في الخنادق. وفي جميع ملاهي المهجر وفنادق “أصدقاء الشعب السوري”. في كل مكان. هنا وهناك.
وهذه الحرب على أرضنا خارجة عن إرادتنا. و عمر الثلاثين ملائم لكل شيء. للدراسة. للزواج. للعمل. لبناء بيت. وحتى للسلام. وجميع من تمردوا هم دون ذلك وفوق ذلك. هو عمر للمستقبل ولكل السياسات والاحتمالات. والأهم من كل ذلك. جميع من ماتوا في هذه الحرب هم بين ذلك. ماتوا ليس لأجلكم. ليس لحربكم. وليس لأجل أحد من أبنائكم. بل لأجل مستقبل بلادنا. حربكم لا تعنينا. ولم يعد يهمنا كم أخذتم ثمن دمنا. ونحن لا نروم اليوم إلى أكثر من ذلك . إلى أكثر من “أمن وسلام ومستقبل بلادنا”.