الرئيسيةيوميات مواطن

سوق حلب للبيع – محمد سليمان

عندما دخلت حلب بكيت مرتين

كنت بالتاسعة من عمري عندما زرت حلب للمرة الأولى، دخلت أسواق حلب القديمة برفقة والدي، من يعرف أسواق حلب قبل الحرب يعلم أنها مكتظة بالناس على مدار الساعة (مافي مكان تحط رجلك)، وبين كل هذا الصخب والضجيج والحياة تهت عن والدي، وقفت أمام حائط بالسوق، وضعت رأسي على حجر، نظرت يمينا ويسارا، شعرت بالوحدة، ومن ثم بكيت، سألني يومها أحد تجار السوق، عن سبب بكائي وأين أهلي، فقلت له أني من دمشق وأني أضعت والدي، جلب لي كرسي أجلسني لجانبه، وأعطاني بعض الحلوى، وبعدها أخذت أتنقل من محل لآخر بالسوق وكل واحد إما يطعمني الحلوى أو يأتي لي بشيء أشربه، حتى شعرت بالتخمة، ونسيت أنني تائه بالسوق، من بعيد رأيت ظل والدي قادم إلي أصابني الكثير من الحزن حينها لأنه سيأخذني وأترك جبال الحلوى المتلتلة التي آكل منها بالمجان.

سناك سوري-محمد سليمان

اليوم أدخل مدينة حلب، أمشي في أسواقها القديمة، التي كانت تعج بالحياة، وأنا أقرأ عبارة واحدة، برسم البيع تبكيني هذه العبارة، وتوصل إلي رسالة أن عودة حلب لما كانت عليه أمر شبه مستحيل، وإن عادت الأسواق القديمة من يمحي الخراب الذي يملأ القلوب، يبهرني الشكل المعماري لحلب بشكل عام ولحلب القديمة بشكل خاص، استوقفتني الألواح الرخامية في الأسواق لوقت طويل، وأنا أقرأ تاريخ بناء وتأسيس هذه الأزقة والأسواق، حزينة هذه المدينة مكسورة خائفة تائهة ومنكوبة أكمل ما شئت من مصطلحات، وعندما تنتهي قل أن لغتك خانتك بالتعبير فلم تعطِ هذه المدينة حقها.

أسواق حلب القديمة – سناك سوري

عندما دخلت حلب بكيت مرتين

اقرأ أيضاً: حلب.. شرطي يحتضن طفلاً ضائعاً 3 ساعات

مقالات ذات صلة

«بهل سوق كان عمري أربع سنين وقت بلشت شغل هاد محل جدي وبعدو أبي وهلق محلي»، بهذه الكلمات بدأ “أبو أحمد” (60 عام) حديثه معنا، بعد إصراره على مرافقتنا في جولة بالسوق ليشرح لنا عن أهميته وماكان عليه قبل الحرب، وطوال الطريق يردد على مسامعنا كلمة واحدة «لا تصور الخراب صور المحلات الفاتحة بلكي الناس بتحن وبترجع».

أسواق حلب القديمة – سناك سوري

بكلماته التي تملأها المشاعر، وبسمته التي لا تفارق وجهه، ودمعته التي لا تفارق عينه، يكمل الرجل الستيني حديثه عن مدينته الجميلة بعيونه، وذاكرته التي لم تشوهها صور الدمار، وبخفة دمه المعتادة يقول «خيو أنتو الشوام ليش بتدلوا الناس غلط».

أنهيت رحلتي بأسواق حلب القديمة، وقفت أمام كل المباني التي دمرتها الحرب، سمعت عشرات القصص التي تصلح أن تكون أفلام وروايات يتعلم منها الناس حب مدينتهم، انتظرت لوقت طويل قبل الخروج من السوق، وقفت على حائط بالسوق، وضعت رأسي على حجر، نظرت يمينا ويسارا، شعرت بالوحدة، ومن ثم بكيت، نعم بكيت للمرة الثانية. 

اقرأ أيضاً: كيف كانت ملامح الحياة في “حلب” حين احتفلت برمضان قبل الحرب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى