سوق القيصرية في حمص .. التاريخ يعود للحياة من تحت ركام الحرب
خان القيصرية التاريخي .. حمص وأسواقها بُنيت بالحب والمحبة
تعلو أصوات التجّار والباعة في سوق القيصرية الأثري بحمص القديمة وهم ينادون على بضائعهم ويدعون الزبائن للتفضل والشراء. مُغطيةً على تهامسِ وتذمّر الناس من الغلاء الذي لا يُطاق.
سناك سوري – حلا منصور
أعدادٌ كبيرة من المحال والبسطات تبيع كل ما يخطر ببالك، من البابوج إلى الطربوش. لوازم خياطة وبسط قديمة والأحذية والملابس الرجالية والنسائية والحقائب. ومواد الزينة والمكياج بأسعار تُعتبر أكثر قبولاً للناس من أسعار الأسواق الأخرى في حمص.
تختلطُ أقدام الناس في سوق القيصرية، وأزياء الزوّار وأعمارهم المختلفة في واحدٍ من أقدم أسواق المدينة قاصدين الفرجة والتنزه والبحث عن أفضل الأسعار.
ذكريات سوق القيصرية
يتحدث تاجر المنسوجات والألبسة “عبد الله عبد الحق” لـ سناك سوري عن ذكرياته في السوق، والتي تعود لعام 1987 حين كان السوق مركزاً لتجّار المنسوجات والأقمشة. وكان يتميز بشكل أساسي بوجود الملابس العربية والبدوية الفلكلورية والتي لم تكن لتتواجد في مكان غيره فكان مقصداً للفلاحين والبدو لشراء ما يلزمهم.
يصف “عبد الحق” الحركة اليوم بالسوق بأنها «جيّدة». ولكن هذا لا يعني بأن كلّ من يقصد السوق قادر على الشراء لأنّ من لا تأتيه مساعدة مالية من أقاربه بالخارج لا يستطيع التفكير بشيء أكثر من الطعام والشراب حسب قوله.
ويضيف الرجل السبعيني مُتحسراً «على زماني كنت أبيع القميص الرجالي ب 100 ليرة. اليوم وقت بسعّره بـ 100 ألف ما بصدّق. في غصّة نحنا الجيل القديم منشعر فيها.. يمكن شباب اليوم ما يفهموها».
موقع سوق القيصرية في حمص
يقع سوق القيصرية المجاور لخان القيصرية في حمص القديمة بجانب السوق المسقوف “المقبي”. وعلى مقربة من مديرية آثار مدينة حمص. ويعتمد نمطه المعماري على سقوف إسطوانية على شكل قباب بعضها من الحجارة الكلسية وبعضها من الحجر البازلتي الأسود، وفيه فتحات تهوية. فيما بُنيت المحلات فيه من الحجارة بواجهات حجرية على شكل أقواس دائرية.
ويتفرع عن شارع السوق الرئيسي أسواق أخرى تخصصيّة بسمّيات عديدة، كسوق الحرير وسوق الصوف والخياطين.
وعلى عكسِ الازدحام والضجيج الذي يشهده سوق القيصرية. فإن تفرعاً منه يقودكَ إلى جوّ آخر من الهدوء والوداعة تشعر به ما إن تصل إلى الخان الأثري وهو الآن يحمل اسم مقهى القيصرية.
تاريخ خان القيصرية
يختصر خان القيصرية الذي يعود بناؤه إلى العام 1400 ميلادي ،حضارات كثيرة مرّت على المدينة من المملوكية إلى العثمانية. وكلمة “خان” كلمة فارسية تعني المبيت. وهو بناء مربع الشكل يتألف من طابقين يمتد على مساحة 1394متر مربع. الطابق الأرضي يعود للعهد المملوكي ويحوي باحة داخلية واسعة كانت تستخدم لعرض بضائع تجّار الحرير والمنسوجات حينها. ويحيط بها غرف كانت بمثابة أماكن للحيوانات التي كان التجار يتنقلون عليها. أمّا الطابق العلوي فتم بناؤه عام 1700 ميلادي خلال فترة الاحتلال العثماني. ويحتوي على غرف خُصصت لمبيت زوّار الخان فيها من تجار وغيرهم.
حوّلت الحرب خان القيصرية والسوق المجاور له من مكان مكتظّ بأصوات الباعة والزبائن وخطواتهم إلى مكان حزين خالٍ ومدمّر وشاهدٍ على قسوة ما حلّ بالبلاد. فتهدمت القناطر والأسقف الأثرية بشكل كبير وأُغلقت المحال منذ عام 2011 وحتى نهاية 2017.
ومعَ انحسار المعارك عن المدينة القديمة عادَ تجّار القيصرية لإصلاح ما أكلته نار الحرب واستمرّ الترميم حتى عام 2020 إيذاناً بعودة الحياة للمدينة. فيما افُتتحَ عام 2022 مقهى شعبي في الطابق الأرضي من خان القيصرية مع لافتة كُتب عليها «لقد بُنيت حمص وأسواقها التراثية بالحبّ والمحبة.. ادخل مُحبّاً واخرج بدعوة جميلة».