سوريون لا يجدون فرحهم في الغربة: الأضواء هنا بلا نور!
نتوقع أنهم سعداء بالخروج منها.. ثم نتفاجأ بإجاباتهم

يرافقني توقع دائم عندما أراقب منشورات صديقات سافرن للقاء أولادهم في دول الخليج أو الدول الأوربية أو أصدقاء اختاروا السفر قبل الأزمة أنهم في قمة السعادة لعدة أسباب فهم بين أولادهم الذين اشتاقوا لهم، وأيضا فقد ارتاحوا من برد الشتاء بلا تدفئة، وانتظار جرة الغاز أو رسالة البنزين لكن تعليقاتهم تعيدني للمربع الأول والسؤال.
سناك سوري – رهان حبيب
السؤال الذي نعتبره ساذجاً لدينا نحن المقيمون ولا فرصة واضحة أمامنا للسفر، عندما سافروا هل شعروا بالسعادة؟ ونجيب طبعاً، سقطت عن أكتافهم همومهم اليومية للتدفئة والليالي المظلمة والتنقل للوصول للعمل أو الجري بين الدوائر لإتمام أي معاملة وتفاصيل موجعة أخرى، وأسأل هل زالت غصة الإشتياق وهل أمنوا مع أولادهم وأحبابهم وهل وهل؟.
اليوم عند الخامسة كتبت صديقتي “نجاة” 52 عاماً وهي حالياً في زيارة لابنتها في إحدى دول الخليج: «”لاشروق هذه الشمس شروق ولا غروبها غروب، وكل هذه الأضواء بلا نور”»، وكأنها تجيب على أسئلتي.
بادرتها بالتحية وكنت أول المشاهدين لأنني مثلها استيقظت باكراً وكتبت لها عزيزتي: «أنتن الأمهات لايصلح النوم والاستيقاظ لديكم إلا في منازلكم هكذا قالت أمي منذ عدة سنوات»، مازحتها وأنا أعرف جيداً مادار في ذهنها وأي شوق اعتصر روحها لتضيف أكثر من ذلك وتقول:«لم أتمكن من محبة هذه البلاد حيث أنا اليوم، أنا التي عشت هناك على سفح ذاك الجبل ومع شمسه الساطعة عرفت معنى الحياة».
السيدة النشيطة لا تستغني عن فنجان قهوة أعد على سخان الكهرباء أو الغاز أو حتى الجمر مع السطوع البهي لشمس مدينتها “السويداء”، تراقب شروق الشمس في أحد بلدان الخليج، وتنظر إلى الساعة هي لاتعرف بالضبط توقيتاً دقيقاً للشروق، لكنها تراقب فهي من هواة الاستيقاظ الباكر حيث يمتلئ اليوم بأعمال كثيرة.
اقرأ أيضا: الخمسينية هيام تجدد جواز سفرها وتحزم الحقائب
وتضيف في حديثها مع سناك سوري: «بعد أن كبر الأبناء وكل منهم سار إلى مستقبله وجدت في كل صباح مهمة فأنا من مؤسسي فريق تطوعي للتشجير، نفذ عدة مبادرات للتشجير وحملت الفأس وزرعت، وبذات الوقت أدير فرناً للفطائر ليكون أحد مصادر الدخل بعد التقاعد ورغم كل هذا لم أتمكن من التفاعل مع بلد أخرى رغم مقومات الحياة والرفاهية الواضحة ولدي إيمان أن القادم أجمل لذا لم أرَ شمساً أكثر جمالاً من شمس بلادي».
“صالحة” 56ض عاماً اضطرت للسفر لترعى ابن ابنتها خلال فترة عمل أمه تقول: «لايمكن أن أكمل ليلة كاملة في نوم متواصل لم أكن أتخيل يوماً أن أعيش خارج “سوريا” في كل رحلة كنت أسابق الزمن لكن هذه المرة الرحلة طويلة جداً»، أيضاً أمازحها ولا أعرف من أين حصلت على كل هذا الرواق فأقول: «يبدو أنك تحبين المغامرة وأذكرها بساعات طويلة، كانت ترافقني محبة إلى محطة الوقود ونقف بالدور لساعات أو نقطع مسافة سيراً إلى الأسواق للحصول على بعض الأغراض وكم مرة تعرضنا معاً للخطر في الشوارع، وفوضى السير»، لكنها تختم المكالمة أنها تتمنى العودة وأنا برغم اشتياقي لها أقول لا تتعجلي إن عدت اليوم قد لايكون أمامك فرصة لتجديد جواز سفرك ابقِ حيث أنت على الأقل أنت بجانب أولادك.
ومع ختام كل مكالمة أشعر بتأنيب الضمير فقد تشعر من ردودي أني أسخف مشاعرها لكنها لاتعلم كم من الأوجاع نعيش عندما نهنئ شاباً بقبوله في جامعة وشابة التحقت بخطيبها في إحدى دول الاغتراب حتى تلك الأمهات اللواتي اضطررن للسفر والتقاعد من وظائفهم للحصول على عمل في “ليبيا” أو “العراق” للحصول على دخل يكفي العائلة للطعام والشراب باركت لهم ليس تشجيعاً على السفر لكن لعجز في نصحهم بخيارات أفضل فالخيارات محسومة ولا أبالغ أنها خيارات بين موت بطيء وحياة ليست سهلة فقط قد يكون فيها التقاط للأنفاس بدايات جديدة.
اقرأ أيضاً: الهجرة لاتبشر بالخير.. كُثر يتركون هذه البلاد ويهربون