سوريا خارج مؤشر الابتكار العالمي….الغياب لا يعني العجز

قبل الحرب كان ترتيبنا سيئاً والآن نحن خارج المؤشر… لكن كيف يمكننا الاستفادة منه؟
سناك سوري – علي فيصل معروف
تُشكّل المؤشرات الدولية التي تصدر عن المنظمات العالمية وسيلةً لدعم القرار الحكومي في البلدان المختلفة، إذ تتيح هذه المؤشرات فرصة المقارنة بين تطوّر أداء الدول فيما يخص موضوع ما بشكل منهجي وشامل.
و يُعد مؤشر الابتكار العالمي (Global Innovation Index) أحد هذه المؤشرات العالمية التي تنال اعترافاً وانتشاراً واسعاً منذ سنوات عديدة في أوساط الاقتصاديين وصناع القرار في كل المجالات التي تخص مدخلات الابتكار ومخرجاته. ظهرت سورية آخر مرة على هذا المؤشر في نسخة عام 2013، وغابت بشكل مستمر عن كل النسخ التالية بما فيها النسخة التي صدرت في الثاني من أيلول هذا العام ولكن كيف يمكن لسورية أن تستفيد من هذا المؤشر برغم غيابها عنه؟!
كيف تكون الدول أكثر ابتكاراً؟!
صدرت النسخة الأولى من مؤشر الابتكار العالمي عام 2007 ويستمر بالصدور سنوياً حتى يومنا هذا بالتعاون بين المنظمة العالمية للملكية الفكرية (سورية أحد أعضائها) ومدرسة إدارة الأعمال INSEAD في فرنسا. يُرتب المؤشر سنوياً حوالي 130 دولة بحسب أدائها في مجال الابتكار. يعتمد الترتيب على 80 معياراً تُقسم إلى مؤشرات مدخلات العملية الابتكارية ومؤشرات مخرجات العملية الابتكارية. يُشكّل أداء ونوعية المؤسسات ورأس المال البشري والبنية التحتية ومستوى تطور السوق ومستوى تطور الأعمال أهم مدخلات العملية الابتكارية. في حين تعد المخرجات التقنية من براءات اختراع وعلامات تجارية وصادرات عالية التقنية إلى جانب المنتجات الإبداعية وغيرها أهم مخرجات العملية الابتكارية. يُمنح كل من المعايير الثمانين وزناً يستخدم لحساب عدد نقاط كل دولة. ليجري بعدها إصدار الترتيب النهائي للدول وحساب كفاءة العملية الابتكارية فيها أي حجم المخرجات إلى حجم المدخلات.
اقرأ أيضاً: إبداع المساحات – مازن بلال
من هي الدول الأكثر ابتكاراً؟
شغلت المراكز العشرة الأولى في عام 2020 الدول التالية بالترتيب: (سويسرا، السويد، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، هولندا، الدنمارك، فنلندا، سنغافورة، ألمانيا، كوريا الجنوبية). في حين يحافظ كيان الاحتلال الإسرائيلي على مراتب متقدمة سنوياً حيث حلَّ هذا العام في المركز 13 تلته الصين في المركز 14. أما روسيا والهند فحلتا في المركزين 47 و48 على الترتيب.
وكان لافتاً أن أداء فيتنام (المركز 42) كاقتصاد آسيوي صاعد بعد احتلال وحروب وأداء إيران (المركز 67) الذي يتقدم باستمرار مقارنة بالسنوات السابقة ويتمتع كلا البلدين بمعدل كفاءة عالٍ جداً.
تظهر 13 دولة عربية في التقرير، تتقدمهم الإمارات (المركز 34) تليها تونس(المركز 65) لتتذيل اليمن الترتيب العالمي في المركز 131.
يتميز أداء الدول العربية النفطية بكفاءة منخفضة أي أنها تتميز بمؤشرات مدخلات عالية ومؤشرات مخرجات أخفض.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لسورية أن تكون اليابان أو كوريا الجديدة؟
سورية على مؤشر الابتكار العالمي
ظهرت سورية للمرة الأخيرة على مؤشر الابتكار العالمي في العام 2013 حيث احتلت المركز 134 من أصل 142 دولة مشاركة. على الرغم من أن سورية في حينه احتلت المركز 105 عالمياً في مدخلات الابتكار إلّا أنها شغلت المركز 140 بالنسبة لمخرجاته، ما يدل على كفاءة منخفضة لمنظومة العلوم والتقانة والابتكار بلغت 0.45 وحلت في المركز الأخير 142 بين الدول المصنفة وفق معيار الكفاءة، وضعف القدرة على استغلال المدخلات.
ومن الجدير بالذكر أن ترتيب سورية لم يكن أفضل حالاً بكثير قبل بدء الحرب، إذ شغلت سورية المركز 115 من أصل 125 دولة مصنفة وفق مؤشر الابتكار العالمي عام 2011، والمركز 132 من أصل 141 دولة في مؤشر عام 2012. وفي حين تغيب سوريا عن تقارير المؤشر منذ عام 2013 لم يتسنَ لنا التأكد من سبب هذا الغياب. فهل يعود ذلك لأسباب سياسية؟ أم فقط لغياب المؤشرات الإحصائية اللازمة لحساب نتيجة سورية وإدخالها في المؤشر؟، خصوصاً وأن دول أخرى ليست بأفضل حالاً من سوريا اليوم كاليمن تحضر في المؤشر.
اقرأ أيضاً: الشفافية التي نحتاج تطبيقها – بلال سليطين
هل نستفيد من المؤشر برغم غيابنا عنه؟!
يشير عدد المعايير الكبير (80 معياراً) المستخدم لتصنيف الدول بحسب مستوى نشاطها الابتكاري إلى تعقيد العملية الابتكارية وارتباطها بالعديد من القطاعات الأخرى الاقتصادية والعلمية والتعليمية. وبالتالي، فإنَّ تطوير مستوى الابتكار في أي دولة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة يجب أن يتبع منهج شمولي متكامل ينظر إلى كل هذا القضايا المترابطة في عالم اليوم. يمكن أن تُشكل منهجية إعداد مؤشر الابتكار العالمي دليلاً للمؤسسات الحكومية السورية المعنية كهيئة البحث العلمي ووزارتي التعليم العالي والاقتصاد والحكومة عموماً. إذ يُمكن أن تكون المواضيع المتعلقة بهذه المعايير الثمانين أبواباً لاستراتيجية وطنية شاملة تعمل على رفع مستوى ابتكارية الاقتصاد السوري بعد الحرب والاستثمار في اقتصاد المعرفة. كما يمكن للمؤسسات السورية المعنية أن تقوم بتحديد مستوى سورية في كل من المعايير الثمانين وبالتالي تحديد نقاط القوة والضعف لدينا. إضافةً إلى ذلك، يشكل الاطلاع على تجارب الدول التي حققت قفزات في مراتبها ومعدلات كفاءة عالية -كإيران وفيتنام- وسيلة لصقل هكذا استراتيجية بالسياسات والأدوات اللازمة لتحفيز مستوى الابتكار في سورية وبالتالي تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضاً: الاكتفاء الذاتي المحلي 2… ثنائية الاكتفاء والتنمية
علي فيصل معروف – ماجستير في إدارة الابتكار