الرئيسيةتنمويرأي وتحليل

الشفافية التي نحتاج تطبيقها – بلال سليطين

الحاجة لقانون الشفافية كالحاجة للماء... علاقة الشفافية بإعادة الإعمار والمواطنين

بالأمس كان رئيس الحكومة السورية واضحاً وضوح الشمس في تركيزه على الشفافية وأنه لاشيء غيرها. والشفافية مصطلح متداول في سوريا إعلامياً لكن أين هو على أرض الواقع؟.

يأتي الجواب سريعاً في لقاء لرئيس مجلس محلي مع راديو صوت الشعب صباح أمس الأربعاء. تسأله المحاورة خلاله عن سبب توقيع شاغلي الأكشاك وهم من أسر الشهداء على تعهد أن الإشغال حتى عام 2021 وأن هذا الأمر دفع الكثيرين للقول إن هناك نية مبيتة لإزالتهم وخذلان عوائل الشهداء!

سناك سوري – بلال سليطين

رد عليها رئيس المجلس بسيل من التأكيد على الاهتمام بأسر الشهداء. والتوجيهات المتعلقة بهم. وفي النهاية لم يجب على السؤال الأساسي لماذا يُطلب من أصحاب الأكشاك (أسر الشهداء) التوقيع على التعهد. وانتهت المقابلة من دون “جواب” عن معلومة مفترض أن تكون غير مهددة للأمن القومي. والجهر بها سيحول دون وقع مشكلة ودون السماح بالتأويل من قبل أي أحد لدوافع هكذا قرار.

بالمقابل وضعت الحكومة قبل فترة وجيزة ماعرف بـ “وثيقة التوجهات والمنطلقات الأساسية للاطار الوطني في سوريا” وهي وثيقة جوهرية وللمواطن ارتباط وثيق بها. ومن دون حوامل مجتمعية لهذه الوثيقة فإن التوجهات والمنطلقات الموضوعة فيها لن يَسهل تنفيذها وقد تواجه تمنعاً شعبياً لعدم المعرفة بها وبتفاصيلها. المهم أننا كصحفيين سمعنا عن هذه الوثيقة رحنا نبحث عنها للاطلاع عليها فلم نجدها على أي منبر رسمي أو غير رسمي وعندما طلبناها بشكل مباشر من بعض المسؤوليين ارتبكوا في إعطائنا إياها. وكأنها سر عسكري خطير.

في السياق ذاته يحاول صحفي “استقصائي” يعمل على تحقيق مثلاً عن النقل الوصول إلى معلومات حول كيفية صرف ميزانية وزارة النقل خلال عام 2018. أو كيف صرفت وزارة الاتصالات إيرادات عقود الشركات. ماحصتها من أرباح شركات الاتصالات الخاصة .. أو ماهو محضر اجتماع لمجلس بلدية حتى ولو كانت نائية … إلخ. يعجز عن جمع معلومات كاملة أو نصف معلومات الموضوع إلا في حال كان هناك توجيه أو قرار كما حدث في قضية توقيع عقد استثمار مرفأ طرطوس الذي كان التباحث حوله غير علني قبل أن تتحدث به وسيلة روسية ويتحول إلى مثار جدل لتخرج بعدها توضيحات وزارة النقل.

اقرأ أيضاً “خميس” يوصي الوزراء بالشفافية ولا شيء غيرها

الحال ذاته ينسحب على العقود والصفقات والمناقصات والقوانين والقرارات. فمعظم المؤسسات العامة والخاصة لاتشارك معلوماتها مع المواطنين ضمن إطار الشفافية. فبنود العقود غير معلنة وتحفظ بعيداً وكذلك المناقصات لاتخرج للنور. ولا يوجد توضيحات لماذا صدر هذا القانون أو ذلك القرار. رغم أنه لم يعد هناك وزارة أو مؤسسة أو حتى دائرة صغيرة ليس لديها منبرها الخاص (فيسبوك مثلاً) الذي يمكنها مشاركة المواطنين والصحافة المعلومة من خلاله.

إن الإجابة على سؤال التعهد. وكذلك نشر وثيقة التوجهات وإمكانية حصول الصحفي الاستقصائي على المعلومات التي يريدها. وكذلك تفاصيل العقود والصفقات والمناقصات وأسباب القوانين …. إلخ هي الترجمة الفعلية لمعنى مصطلح الشفافية الذي لم يجد طريقاً بَعد إلى التطبيق وكلما تأخر كلما ازداد الوضع سوءاً على صعيد الفساد والعلاقة بين المواطن والحكومة السورية.

المشكلة لاتقتصر على العلاقة مع المواطنين ووسائل الإعلام وإنما تمتد للعلاقة بين المؤسسات التابعة للحكومة السورية فيما بينها فهي تحجب المعلومات عن بعضها البعض والشفافية في عملها دون الحد الأدنى. فعلى سبيل المثال أو الافتراض لدينا لجنة للتعليم العالي والأخرى للشباب وكلاهما لا يتمتع بالشفافية في عمله ولا يعرف شيئاً عن الآخر. هذا بكل تأكيد سيحول دون تكامل عمل اللجنتين اللتين يجب أن يتقاطع عملهما مع بعضهم بعضاً وهذا سينعكس سلباً على الشباب والعمل.

تحتل سوريا حالياً مركزاً مخجلاً على لائحة ترتيب منظمة الشفافية الدولية لعام 2018 فهي من بين أسوأ 3 دول في العالم. وللحقيقة نحن لانحتاج هذا الترتيب لنعرف سوء واقعنا فهو ظاهر بالعين المجردة لا يحتاج مجهراً.

اقرأ أيضاً صناعة الوهم الحرب مستمرة – بلال سليطين

خطورة هذا الترتيب (عالميا) تأتي من أنه سيكون حجر عثرة في طريق حوافز تمويل إعادة إعمار سوريا المنتظر. فالمانحون لن يجرؤوا على التمويل بسخاء مالم يضمنوا حداً أدنى من الشفافية في التنظيم وضمان الوصول الصحيح للأموال إلى المشاريع أو المجتمعات المستحقة. وهذا بحد ذاته تحدٍ خطير جداً لا بد من مواجهته.

خطورة التحدي لا تقتصر على القطاع العام بل على الخاص والمجتمع المدني أيضاً فجميعهم يفتقد لمعايير الشفافية. وسوسة الفساد تنخر أضلاعهم معاً. ولا مجال لأي عملية نهوض أو تحول دون شفافية ومواجهة الفساد بصلابة.

إذا الحديث عن الشفافية لم يؤدي إلى وجودها بالشكل المطلوب في سوريا. وثمن غيابها غالٍ جداً جداً. وبالتالي البلاد بحاجة لقرار تطبيقها وليس لكلام. لقانون واضح وملزم لجميع المؤسسات المعنية بأن تتعامل بشفافية مع المواطنين ومع الصحافة ومع بعضها البعض. بحيث تنشر كل قراراتها وتوضح أسبابها وكذلك كل عقودها ونتائج تقارير التفتيش والمناقصات وحتى تبث مباشرة على الهواء. تخيلوا مثلاً أن مجلس الشعب يبث كل جلساته على صفحته في فيسبوك. بكل شفافية. أو الحكومة. أو مجلس المحافظة أو مجلس المدينة..إلخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى