سوريا.. بلد الجرح النازف يرحب بنا “أهلاً ببعضنا البعض”
بين فيلتين بحي "الزراعة" واحدة لها علاقة بالسماء والثانية بالأرض.. وقف طفل عاجز

في مكان ما بين فيلتين مشهورتين على طريق حي “الزراعة” في “اللاذقية”، واحدة لها علاقة بالسماء والثانية بالأرض، وقف منكفئاً على نفسه، يداري خجله من نظراتي بالتمثيل أنه يمشي نحو وجهة ما، بينما كان من الواضح أن ذلك الطفل حافي القدمين في أحد ليالي شباط الباردة، كان ينتظر أن يخلو الشارع قليلاً فيسند رأسه إلى واجهة أحد المحال التجارية، لينام دون فراش يحتضن طفولته.
سناك سوري-وفاء محمد
لا أعلم من نصحني بممارسة رياضة المشي للتخلص من ذلك الاكتئاب الذي يرفض تركي وشأني، لأمارس معاركي اليومية مع طواحين “دونكيشوت” في بلدي “سوريا”، لكني اعلم أنه لم يكن خياراً علاجياً على الإطلاق، وستعود من رياضتك مثقلا بهموم جديدة، لا أريد القول بأني حساسة و”كيوت”، لكن بعض المشاهد قاسية لدرجة تحدث ثقباً في الفولاذ.
ماذا قد أمنح لذلك الطفل، فنقودي القليلة المتبقية في حقيبتي الصغيرة، لن تكفيني ولن تكفيه، مشاركة جزء منها معه أمرٌ لم يمنح ضميري الراحة، ولا قلبي كذلك، ولا حتى عقل صديقتي “الفز” الذي استنتج أن ذلك الطفل نجح في خداعي والحصول على بعض المال القليل لديّ، فأنا كنت مثله “فقيرة”، ووحدهم الفقراء يشاركون القليل الذي يملكونه.
علكة!
في أحد محال “الشوكولا” الأرستقراطية داخل المدينة، جلست مع ثلاث صديقات بانتظار “وجبة السعادة”، دخل رجل لا أعتقد أنه قد بلغ الخمسين من العمر بعد، وضع “علب العلك” على الطاولات، قبل أن يمسكه صاحب المحل فيخوض نقاشاً بدا حاداً جداً، عاد الرجل مكسوراً إلى الطاولات يلّم ثمن بضاعته، سيدة على إحدى الطاولات كانت قد وضعت له مبلغاً كبيراً من المال، إلا أنه تناول منه ورقة من فئة 500 ليرة، وأعاد لها البقية التي لم أتمكن من عدها، وفشلت كل محاولاتها بإقناعه أخذ المبلغ كله، لم ينطق بحرف واحد ولم يرّد عليها.
على طاولتي التي وضعت له عليها 500 ليرة، أدركت أنه أعاد للسيدة مبلغ 400 ليرة وأخذ منها فقط 100 ليرة ثمناً لعلبة علكة صغيرة، وضع البقية على طاولتي وغادر دون أن ينطق بحرف واحد، يبدو أن صاحب المحل “الأرستقراطي” قد آلمه جداً.
اقرأ أيضاً: مواطن سوري مُهدد بالقتل من قبل أشخاص يحملون بطاقات أمنية
توشكا!
في محل الفطائر الشهير داخل “اللاذقية”، كانت قد جلست مع طفلتها بانتظار وجبتهما ذلك اليوم، لتقترب طفلتان صغيرتان، تحمل كل واحدة منهما مبلغ 200 ليرة، وعيونهما ترنو إلى داخل الفرن ببريق خافت، “بدنا من هي”، ويرد البائع: “روحوا من هون”.
عرضت تلك السيدة عليهما مشاركتها وأطفالها الوجبة، إلا أن إحدى الطفلتين قالت: “خالتو أنا بدي توشكا”، وردت الأخرى: “وأنا كمان”، أخذتا ما طلبتاه وانطلقتا نحو الشارع، ناديتا على طفلتين جديدتين وجلسنّ أربعتهنّ يتقاسمن الطعام القليل.
تمتلأ شوارع هذا البلد، بالألم والمعاناة، دون مسؤول قادر على الحل، تماما كما تمتلأ صفحات السوشل ميديا بالنقد، بفارق وجود آلاف العيون عليها، أهلا “ببعضنا البعض” في بلد الجروح النازفة دون طبيب.
اقرأ أيضاً: عزيزي المسؤول..ما أخبارك أنت وسياراتك وبدلاتك وساعاتك ومازوت مدفأتك