سوريا.. بسبب الفقر عائلة قامت بواجب ضيفها وبقيت دون طعام
نحنا مو بخير مغطّايين بقشّة بس يا جارتي
سناك سوري – خاص
الشكوى لغير الله مذلّة. وأنا في العادة لا أشكي سوء حالي لأحد، حتى لزوجي فأنا أتجالد أمامه كل يوم كي لا أزيد من حمله حملاً فوق حمل.
ليس زوجي الذي يهرب من ضيف، ليس زوجي الذي يتوارى عن الأصدقاء الذين يقرعون بابه، لم يكن كذلك مذ تزوجته منذ سنين، لكن ظهر اليوم كان وجهه مسوّداً حين زارنا صديق قديم وعزيز على العائلة. تبدّلت حاله أكثر حين أخذ ذاك الصديق يذكّر زوجي بوالده، ويذكّرني أمامه بكرم والدي في سياق حديث طويل كأي حديث يُقدِم عليه أي صديق لم ير صديقه منذ زمن طويل.
تغير وجه زوجي، تبدّلت حاله، تعرق جبينه وهو يراقب ساعته، كما تبلبل لسانه في الحديث بحرج، أدركتُ سبب حيرته، أي شخص لو كان معنا في هذا التوقيت سيدرك سبب حيرته. طلبتُ من ولدي أن يعينني للنهوض لغرفة المطبخ، فأنا أعاني منذ أحد عشر عاماً من التهاب مفاصل حاد (روماتيزم) وأعيش على حبوب “البريديلون” لهذا لا أقوى على الحركة بشكل جيد.
اقرأ أيضاً: سوريا.. عائلة تعيش في كهف لعدم القدرة على بناء منزل
منزلنا غرفة ومطبخ، وفي المطبخ نظرت حولي بحيرة أنا الأخرى، أي غداء سأصنع يا الله، دعوت الله بقلب مكسور أن يسترني وزوجي أمام هذا الضيف، وجدت عيدان ملوخية ذابلة، وأكرمني الله بثلاثة بيضات استعرتها من جارتنا، ووضعت زعتراً بلا زيت، وصنعت أبريق شاي، شعرت أن الأمر لا يكفي ففتحت كيس الأرز وهو من النوع الرديء، إنه كل ما نملكه، ثم طبخته بزيت وبهارات قليلة، أعرف أنه بات مسلوقاً لا مطبوخاً لكن ماذا أفعل، هذا الذي قدّرني الله على فعله، وكنت في كل دقيقة أدعو الله ألا تنفذ جرّة الغاز.
ناديت زوجي ليحمل الطعام، حين دخل المطبخ تفاجأ ودمعت عيناه، لم أراه بهذا العجز في حياتي، حمل المائدة وقد لاحظتُ كيف استحالت عزيمته وصار صلباً قوياً أمام ضيفه.
غادر الضيف، اقترب مني زوجي، ودون أن يتحدث بحرف طبع قبلة على رأسي و أعتقد أنه بكى وهو يفرّ خارج المنزل، أنا الأخرى، نظرت حولي بصدر مخنوق، كيف نكسر هكذا يا جارتي؟ كيف نبكي كالأطفال؟، “تحترق قلوبنا على بعضنا البعض ونحن نرى أنفسنا تعبين، ولسنا قادرين على شراء ربطة خبز “.
بكيت أنا الأخرى كما يبكي أطفالي قبل أن يناموا جوعى
لم يعد لدينا غداء ليوم غد، لكن سيفرجها الله قريباً هذا وعد الله، نظرت إلى عيدان الملوخية وعلبة الأرز لقد نفذت جميعها، جرة الغاز في آخر أيامها. أمسكتُ علبة الزيت ذات اللتر الواحد، بقي ربعها، يا الله كنت قد خططت لأن تكفينا لشهر، وحين علمت أن لا أحد بقي في البيت سواي بكيت أنا الأخرى كما يبكي أطفالي قبل أن يناموا جوعى، احتضنت لتر الزيت الفارغ وبكيت كأم فقدت ابنها.
ربما كنتي ستضحكين لو رأيتني، لكن لا نقول سوى الحمدلله، فلا ينبغي لأحد أن يلوم أحد لأنه قام بدفع أولاده للهجرة بحثاً عن الرزق كما فعل جارنا “منصور” بأولاده، وتذكرت القول الشهير”ما شبع غني إلا بما جاع به فقير”، (كل الناس هون مغطايين بقشة يا جارتي، ما حدا بخير، وما حدا بيعرف شو في ببيت الثاني).
تنويه: أعلم أن البيوت أسرار وأن مهنة الصحافة لا تستوجب استراق السمع، لكن تستوجب أخلاقنا أن ننقل للناس كيف يعيش من هم أسفل هذه المدينة.
كل الناس هون مغطايين بقشة يا جارتي، ما حدا بخير، وما حدا بيعرف شو في ببيت الثاني
اقرأ أيضاً: أم صالح.. تبيع دور جرة الغاز بـ2000 ليرة لتؤمن خبز أطفالها