سوريا التاريخية.. التلاقي مع مصر في مواجهة الرومان والعثمانيين
سوريا ومصر.. والتحدي العثماني الإخواني – حسان يونس
سناك سوري – حسان يونس
تعاني كلٌ من مصر وسورية من التحدي العثماني الإخواني القادم من الشمال، وهو تحدّي يتغوّل بضوء أخضر واضح من المنظومة الدولية الحاكمة في العالم، وبمناسبة هذا التحدي لا بأس من تتبع منحنيات الجغرافية السياسية خلال الزمن والتقاط اللحظات التي واجه فيها المصريون والسوريون معا ذلك الخطر القادم من الشمال والذي ارتدى ثياباً مختلفة خلال أطوار مختلفة لكنه احتفظ بجوهر ثابت.
إن علاقة الحب والتحالف السياسي بين القائد الروماني “مارك أنطوني” وبين “كليوباترا” السابعة في مواجهة روما بقيادة “أوكتافيوس”، ليست بعيدة عن جدلية الشراكة السورية المصرية في مواجهة أخطار الشمال، فبعد اغتيال “يوليوس قيصر” في روما انقسمت الامبراطورية الرومانية بين القائدين الرومانيين “أوكتافيوس وأنطونيوس” وتم تقسيمها إلى شرق وغرب، وكان الشرق بما فيه مصر من نصيب “أنطونيوس”، ولذا كان من الطبيعي أن تخضع “كليوباترا” لـ “مارك أنطوني”، ومن ثم أن تتحالف معه، ومن أجل إعلان هذا الحب والتحالف السياسي أبحرت كليوباترا مرتدية زيّ الآلهة على متن سفينة فرعونية ذهبية مترفة من الشواطئ المصرية للقاء “مارك أنطوني” في مدينة “طرسوس” في “كيليكيا” 4 ق.م، لكن هذا تحالف المغرق في العاطفة والمصلحة سقط بشكل مأساوي في معركة “أكتيوم” البحرية الفاصلة غربي اليونان عام 31 ق.م، التي أفضت إلى انتصار روما وانتحار كل من “كليوباترا ومارك أنطوني”.
اقرأ أيضاً:سوريا وتاريخ من الغزو باسم الله _حسان يونس
وربما تكون “زنوبيا” نموذجاً تمحورت حوله مواجهة مصر وسورية للخطر الزاحف من الشمال، فـ “زنوبيا” باعتبارها وريثة “أذينة” في 262 م لم تكن فقط وصية على عرش تدمر، بل ورثت كذلك ألقابه باعتباره أسد الشرق ومخلّصه وشريكا للقيصر الروماني في كافة ألقابه، بعدما هزم الفرس الساسانيين ودخل عاصمتهم “طيسفون” 260 م، ومن المعروف أن امتداد نفوذ “زنوبيا” إلى مصر لم يكن غزواً لمصر بل كان انخراطاً لجيش إفريقيا الروماني مع تدمر في صراعها ضد روما، وكان المفصل الحاسم في الصراع هو منع “زنوبيا” لتجار مصر من إرسال الحبوب إلى روما، ما زاد الضغوط على الإمبراطور الروماني الجديد “أورليانوس”، الذي خطط لمهاجمة تدمر، وكانت التكتيكات العسكرية التي رسمها “أورليانوس” حاسمة، فتظاهر بمهاجمة مصر فيما كان يحشد جيشه للانقضاض على تدمر وهو ما حصل (ويشبه الحشد التركي الضخم في “إدلب” وريف “حلب”، بينما ينشغل العالم بتدخل تركيا في ليبيا).
في العصر العثماني ظهر نموذجان للقاء المصري السوري في مواجهة طغيان الشمال، هما “علي بيك” الكبير (1760-1775م)، الذي تحالف مع والي جبل لبنان، الأمير “فخر الدين المعني” الثاني لانتزاع “دمشق” من العثمانيين، لكن العثمانيين استعملوا الدين كعادتهم ذريعة للتخلص من خصمهم، فأغروا اثنين من قادة جيشه بالانقلاب عليه وقتله بعد اتهامه بترك الإسلام بسبب تحالفه مع الإمبراطورة الروسية “كاترينا” ضد العثمانيين، النموذج الآخر هو “محمد علي باشا” (1770- 1849م) الذي تحالف مع والي جبل لبنان الأمير “بشير الثاني”، فانتزع “عكا” عام 1831 م، وانتزع “دمشق وحلب وقونية” 1832 م، لكن العثمانيين بالتحالف مع النظام الدولي آنذاك، الفرنسي- البريطاني، (دون أن يتهمهم الفقهاء بترك الإسلام) أعادوا نفوذ “محمد علي باشا” إلى حدود مصر .
اقرأ أيضاً:هكذا قدم الأميركيون السوريين أضاحي لـ “مولوخ” -حسان يونس
النموذج المعاصر للتلاقي المصري السوري في مواجهة أخطار الشمال هو قبول السوريين بتنصيب “جمال عبد الناصر” رئيساً لهم دون شروط، ضمن مشروع “الجمهورية العربية المتحدة” عام 1958 م، ففي آب من 1957 م، استيقظ السوريون والمصريون على خبر احتشاد الآلاف من جنود الجيش التركي على طول الحدود السورية. وتلا ذلك أنباء متواترة عن اقتحام الطائرات التركية للشمال السوري، وتنفيذ فرق عسكرية تركية عدة عمليات برية ضد نقاط المراقبة السورية في المنطقة.
تسبب العدوان التركي على سوريا في اندلاع أزمة إقليمية ودولية خطيرة، اشتبكت فيها مجموعة كبيرة من الأطراف، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، كما تناوله الشاعر المصري “صلاح جاهين”، صاحب الرباعيات الفلسفية العامية الشهير،في قصيدة بعنوان “تركي بجم”، وحولها “سيد مكاوي” بصوته وألحانه إلى لوحة مغناة، كان عدوان تركيا على سوريا، وقبله مشاركتها في حلف بغداد عاملا حاسما في تلاقي السوريين والمصريين تحت قيادة “عبد الناصر”.
إن مجمل المحطات المذكورة في تاريخ العلاقة السورية المصرية مع أخطار الشمال تؤكد أن هناك حمل تاريخي ترزح تحته منطقتنا يجب إنزاله عن أكتافها، كي تحسن الوقوف حضاريا على قدميها، وأن هناك دين يجب إيفائه إلى الغزاة القادمين من الشمال، وإلا ستظل هذه المنطقة محنية الظهر تتعثر في خطواتها نحو المستقبل .
اقرأ أيضاً:شعوب البحر والعثمانيين الجدد- حسان يونس