سوريا.. ارتفاع أسعار الملابس يحيي عملية إعادة تدويرها
ملابس الجدات تتحول لفساتين للحفيدات.. إعادة تدوير الملابس القديمة توفر بعض المال على الأسرة
سناك سوري- رهان حبيب – نورس علي – عبد العظيم عبدالله – فاروق المضحي
عادت ظاهرة إعادة تدوير الألبسة القديمة من جديد للمجتمع السوري، وهي ظاهرة كانت منتشرة بكثرة في تسعينيات القرن الماضي، سرعان ما اندثرت بسبب انخفاض أسعار الألبسة لاحقاً، لتعود مجدداً للظهور مع الارتفاع الكبير في أسعار الملابس حالياً.
من “السويداء” تحدثنا الخياطة “سمر سجاع” ٤٠ عاماً وبين يديها فستان لطفلة خاطته من فستان جدتها، أنها تعشق تدوير الألبسة القديمة لأن فيها مساعدة كبيرة للأهالي، وتضيف لـ”سناك سوري”: «هذا الفستان أحضرته الجدة لتصنع منه فستاناً صيفياً لحفيدتها، لأن سعر الفستان البناتي يتجاوز 10 آلاف ليرة، بينما لا تكلف إعادة التدوير أكثر من 3000 ليرة».
تؤكد الخياطة التي يقع محلها وسط المدينة، بأن زبائنها كُثر، وكلهم يأتون بقطع ملابس لإعادة تدويرها مجدداً، سواء لهم أو لأبنائهم، لافتة أنه وخلال السنوات الـ3 الأخيرة، انخفضت نسبة الخياطة، وارتفعت نسبة المقبلين على الإصلاح وإعادة التدوير، خصوصاً سراويل الجينز، التي يتم تحويلها إلى شورتات أو إصلاحها من الداخل بوضع رقعة من القماش ذاته في حال الاحتكاك، علماً أن أجور الإصلاح لا تتجاوز الـ2000 ليرة، بينما سعر البنطلون الواحد يتراوح بين 20 وحتى أكثر من 35 ألف ليرة للصناعة المحلية.
تدوير الملابس وإصلاحها، ساعدا الخياطة على إحياء ورشتها، كما تقول، وجعلها تبحث دائما عن حلول لتتعود من زبائنها عدم رمي أي قطعة قماش.
لم تعد “منار” 28 عاماً تقصد سوى محال ألبسة البالة، واتفقت مع خياطتها لإجراء إصلاحات أو تعديلات على القطع التي تختارها من البالة، كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”: «عينت حديثاً في تربية “السويداء”، وكل راتبي لا يكفي لشراء قماش وخياطة فستان سهرة تعودت بالمناسبات تعديل مالدي أو شراء قطع من البالة، تعدلها الخياطة بذوقها وتخفف علي تكلفة كبيرة».
الشابة حولت بنطلونات الجينز إلى شورتات والبيجامات المهترئة إلى بيجامات جديدة، وفساتين البالة إلى لباس أنيق للسهرة بتكلفة لم تتجاوز ٥ آلاف أجور للخياطة وشراء قطع قماش صغيرة للإضافة.
اقرأ أيضاً: سوريا.. شراء ملابس البالة ينتظر وصول الحوالات الخارجية!
إقبال على تدوير الملابس في طرطوس
وفي “طرطوس” على الرغم من صعوبة تأمين احتياجات أفراد الأسرة الكبيرة وصعوبة تربية الأبناء بعمر متقارب بالنسبة للأمهات إلا أن “ناهد حسين” وجدت في تقارب أعمار بناتها اللواتي لا تتجاوز أعمار أكبرهنّ عشر سنوات فرصة للتوفير بشراء الملابس حيث تقوم بإعادة تدوير كل مالديها من قطع ثياب لهن مهما كانت بحالة سيئة لتحولها بمساعدة خياطة إلى قطع قابلة للاستخدام من جديد للشقيقات الأصغر سناً.
تقول “حسين” في حديثها مع سناك سوري إنه «بدلاً من شراء فستان جديد لا بنتي لا يقل ثمنه هذه الأيام عن 25 ألف، ألجأ لخياطة قريبة من منزلي لتحويل أي قطعة لدي لفستان أو تحويل بنطال قديم تعرض لعطل إلى شورت وإضافة بعض التفاصيل التي يحبها الأطفال عليه فيعود قطعة جديدة تفرح بها طفلتي في ظل عدم قدرتي على شراء الجديد لهن».
شراء الملابس الجديدة للأطفال عبء جديد يثقل كاهل الأسرة التي تعيش براتب وحيد حسب الأم “حسين” وهو مايضطرها للاقتصاد بأقصى درجاته خاصة في مجال شراء الألبسة فالأخوات يلبسن بالترتيب ثياب أخواتهن، لإمكانية الاستفادة من ثياب بعض الأقارب التي يتم تدويرها بين الأخوات في العائلة الواحدة مثلاً فبناتي يلبسن ثياب بنات خالاتهن وعماتهن.
غلاء أسعار الملابس أحيا مهنة الخياطة التي تعثرت نوعاً ما بالنسبة للخياطة “أحلام محمد” بسبب ارتفاع أسعار الأقمشة، مشيرة إلى الإقبال الكبير على إعادة تدوير الملابس من قبل الناس فلديها الكثير من القطع التي ترممها لتتناسب مع الموديلات الحالية بكلفة أقل بكثير من شراء قطعة جديدة مهما كانت بسيطة.
اقرأ أيضاً: بعد رفع سعر الغزول القطنية 50%.. صناعي: الأسعار غير مدروسة
كذلك الحال في دير الزور
في “دير الزور” تجد الموظفة الأربعينية “هدى العثمان” وهي أم لأربعة أطفال صعوبة في شراء الملابس الجديدة وتلجأ للخياط لإعادة ترتيب ورتي ملابس أولادها لتناسب مقاساتهم الجديدة، موضحة أن الأمر لايكلفها كثيراً فيمكن أن تضيف تفاصيل جديدة لأي قطعة بمبلغ لا يتجاوز 500 – 2000 ليرة سورية، حسب نوع العطل أو الإضافة التي تتم على الملابس.
الزبائن اليوم ابتعدوا عن تفصيل الألبسة الجديدة لدى الخياطين، حسب ما أكده الخياط “سمير حداوي” فأكثرهم يلجؤون للإصلاح وإعادة تدوير الملابس بين جميع أفراد العائلة، موضحاً أنه يقوم بأخذ القياسات اللازمة لإعادة تصنيع القطع بالقماش المتوفر وإجراء إضافات عليها لتبدو جديدة.
في الحسكة الأم وفرّت 70 ألف ليرة
وفي “الحسكة” وفرّت الأم “خديجة عمر” ما يقارب 70 ألف ليرة ثمن فستانين لطفلتيها، من خلال تحويل فستانها لفستانين صغيرين، لم تقبل جارتها الخياطة أخذ أجرتهنّ وقالت لها إن الأجرة هدية للطفلتين.
بشكل شبه يومي تتوافد النسوة إلى الخياط “فارس محمد” بهدف خياطة ملابس للأبناء من فساتين وملابس الأمهات، فكرة جديدة طرحتها النسوة للتخلص من الأعباء المادية لشراء ملابس الأبناء حسب ما قاله “فارس”، وأضاف: «نسبة كبيرة من عملي اليومي أصبح بتحويل ملابس الكبار للصغار».
ويضيف: «الفرق المادي بين خياطتنا وسعر القطعة بالسوق واضح وكبير، إعادة تدوير أي قطعة تكلفتها 5 آلاف ليرة سورية، نفس القطعة بذات المواصفات في المحلات بسعر 20 ألف، يعني قطعتين تفصيل بـ10 ألف، في السوق بـ40 ألف، تشجيع النساء لهذه الفكرة ورواجها بشكل كبير، خاصة قبل فترة العيد يوفر مبالغ مادية كبيرة على العائلات».
رغم أن إعادة تدوير الملابس القديمة لتصبح جديدة، فكرة جيدة توفر على العائلات الكثير من الأعباء المادية، إلا أنها حرمت عائلات أخرى من تلك الألبسة، ففي المجتمع السوري تنتشر عادة منح الملابس القديمة التي لم يعد قياسها ملائماً لأفراد العائلة، إلى عائلات أخرى تكون بحاجتها، ومع دخول غالبية الأسر السورية مرحلة العوز والحاجة يبدو أن تلك العادة الجميلة قد تتوقف على عدد قليل جداً من العائلات الميسورة.
اقرأ أيضاً: أسعار الألبسة الشتوية ترتفع 3 أضعاف.. قرارات الحكومة بتدفي أكتر!