سعدالله ونوس: المسرح لاينجز ثورة.. تبدد الحلم في يقظة خشنة
اقتباسات من حوارات للمسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس
سناك سوري – عمرو مجدح
في كتابة السردي الوحيد “عن الذاكرة والموت” يقول الكاتب المسرحي “سعدالله ونوس” : «بدت لي كلمة الشجاعة مضحكة، وظللت أكررها في سري، ما معنى الشجاعة؟ وماذا تفيد الشجاعة رجلاً تقرر رحيله ؟ ولماذا ينبغي أن أكون شجاعاً؟ لماذا لا يحق لي أن أنهار وأن أعول وأن أبكي، باغتتني رغبة حارة بالبكاء، وبالفعل ذرفت دمعتين يتيمتين، لم أجد بعدهما ما أذرفه، أليس العجز عن البكاء هو جزء من هذا الخواء الذي كان يهيء موتي ويعلن عنه؟».
هكذا وصف “ونوس” حالته بعد كشف تحليل الخزعة الكبدية والتي أظهرت وجود خلايا سرطانية وهو نفس النوع الذي قاومه من سنتين، نشر الكتاب قبيل وفاته بعام ويروي صاحب العبارة الشهيرة “إننا محكومون بالأمل” ( التي أطلقها في اليوم العالمي للمسرح عام 1996) في عدة نصوص حكايته مع مرض السرطان قائلاً :« في المستشفى وفي الغرفة 208 أدركت وأنا أتلاشى، إني سأواجه المصير الذي كنت أخافة دائماً، سأفقد حصانتي الشخصية، وحياتي، وما هو حميمي فيّ، وسأتحول قبل الموت، جيفة عارية بين أيدي ونظرات غرباء لا أعرفهم، بعد وصولي إلى المستشفى شعرت بالحاجة إلى التبرز، وكان مخجلاً ومريعاً أن أتبرز في الفراش مستعملاً الزحافة، ولكن يبدو أن التدهور السريع في حالتي الصحية خفف من نزقي، ومشاعر الخجل والاشمئزاز التي تسربلني».
اقرأ أيضاً:الشاعرة عزيزة هارون تزوجت عدة مرات ولم تنجب سوى القصائد
المسرح لا ينجز ثورة
الكاتب الذي ترك بصمات مضيئة على المسرح السوري كانت له رؤية وفلسفه خاصة وجولات من الفرح والخيبة على الخشبة يقول في حوار على صفحات مجلة “أدب ونقد” عام 1987 وهو يتحدث عن المسرح الذي عشقه وأعتقد لفترة أنه قادر على تغير الواقع من خلاله :« في فترة ما، وكانت فترة فوارة بالأمل، والغضب، وكنت أحلم بأن يكون المسرح حدثاً مباشراً وفورياً، كنت أحلم بأن تزول المسافة الفاصلة بين الكلمة والفعل، وأن نردم الهوة بين التخيل والواقع، وأن ينفجر العرض المسرحي مظاهره، أو فعالية راهنة، راودني هذا الحلم في الفترة التي كتبت خلالها “حفلة سمر من أجل ٥ حزيران” كان يغمرني احساس بالتوازن وأنا أمضي في كتابة هذا العمل ، ولم أكن أفكر بأصول مسرحية ، ولا بمقتضيات جنس أدبي محدد، لم تخطر ببالي أية قضايا نقدية، كنت أتصور فقط وغالباً بانفعال حسي حقيقي، أني أعري واقع الهزيمة، وأمزق الأقنعة عن صانعيها في سياق هبة جماهيرية، تبدأ مضطربة ومرتجلة ثم تتسق وتنمو حتى تضمنا».
مضيفاً: «حين عرضت المسرحية بعد منع طويل ، تبدد الحلم في يقظة خشنة، كان مذاق المرارة يتجدد مساء في داخلي، ينتهي تصفيق الختام ثم يخرج الناس كما يخرجون من أي عرض مسرحي، يتهامسون أو يضحكون أو يمتدحون، ثم ماذا ؟ لا شيء آخر، أبداً لا شيء، لا الصالة انجرفت في مظاهرة ولا هؤلاء يرتقون درجات المسرح ينوون أن يفعلوا شيئاً عندما يلفظهم الباب إلى الشارع حيث تعشش الهزيمة وتتوالد الكلمة كلمة. المسرح مسرح. وإن الكلمة ليست فعلا، كما أن المسرح ليس بؤرة انتفاضة. من تجربتي الخاصة تعلمت، أن المسرح لا يستطيع أن ينجز ثورة، أو أن يتدخل في مجرى الأحداث. هو فعال، لكن فاعليته ليست راهنة ولا مباشرة».
اقرأ أيضاً:زوجة سعد الله ونوس: كل الجهات الثقافية في سوريا رفضت قبول مكتبة “ونوس”
الغناء المسرحي..
في حوار أجرته الكاتبة السورية نعمة خالد مع “ونوس” على مجلة “الجديد” اللبنانية عام 1997 سألته ماذا عن الغناء في تجربتك؟ فقال: «كنت أعلم أن الغناء مسألة مهمة جداً في الوصول إلى المتفرج، وكنت أطمح إلى خلق صيغة بين مسرحي وبين الأغنية الدرامية التي يمكن أن تطور الحدث وتلبي حاجة المتفرج وتلائم ذائقته، قدمت هذه التجربة في إعادة الاعتبار وإعادة تاريخ تجربة “أحمد أبو خليل القباني” في مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” إذ تضمنت المسرحية إضافة إلى تاريخه ومحنته، مسرحية من مسرحيات القباني والتي استعدنا فيها العديد من أغانيه».
استبدال التاريخ بالتراث
وتابع “ونوس”في ذات الحوار متسائلاً:« ماذا يعني التراث وكيف أدخلت هذه الكلمة إلى قاموس الأدب والفن، نحن في البلاد العربية وخصوصا في العقود الأخيرة عندما وجدنا أنفسنا أمام طريق مسدود، بدأنا نلجأ إلى نوع من الحلول السحرية التي اعتقدنا أنها تتضمن أجوبة لكل الأسئلة المطروحة في هذا الواقع، من جملة هذه الحلول كلمة “التراث” وبدت لنا هذه الكلمة جميلة ومغوية، لكن أحدا لم يقل لنا ماذا يعني التراث؟ ثم وجدنا أن التراث يمكن أن يكون تراثات عديدة ومتناقضة ومتنوعة وتحاشى المثقفون العرب -للأسف بكثير من الإصرار- الحديث عن التاريخ، بل استبدلوا الحديث عن التاريخ بالحديث عن التراث وصار هناك عناوين:
التراث والمعاصرة، المسرح والتراث، السينما والتراث إلخ.. عن أي تراث يتحدثون؟ لا أحد يعرف طبعا، وراح التراث نهبا لكل المفكرين من الشيوعي إلى الليبرالي إلى الإسلامي. ولم يجرؤ أي من هؤولا أن يعرف التراث بشكل نستطيع أن نعرف أن المقصود به هو هذه الحقبة الزمنية أو هذه المجموعة من الأفكار أو هذه المجموعة من كتب لقد برعنا في حل المشاكل التي نتعرض لها عبر الأسئلة الزائفة، والأسئلة الزائفة بالضرورة إجاباتها زائفة».
اقرأ أيضاً:التركة الثقيلة بين الكواكبي و سعدالله ونوس
* توفي الكاتب السوري سعد الله ونوس في 15 أيار 1997 عن 56 عاماً.