أخر الأخبارالرئيسيةشباب ومجتمع

رغم الجفاف وغلاء التكاليف.. مزارعو القدموس يحافظون على “ذهبهم الأخضر”

أجيال تتوارث تقاليد زراعة التبغ .. وعائلات تصمد في أرضها رغم مصاعب العمل

في قرى “القدموس” بريف طرطوس ما تزال زراعة التبغ (الدخان) خياراً وحيداً وضرورياً للكثير من العائلات، رغم ما تواجهه من مشقّات وظروف مناخية قاسية وغلاء غير مسبوق في مستلزمات الزراعة.

سناك سوري _ محمد عباس

ويصف “هيثم أبوحمود”، أحد مزارعي قرية “بيت الميسرة” هذه الزراعة بأنها “موروث الآباء والأجداد”، ويؤكد في حديثه لـ سناك سوري أن طبيعة الأرض في هذه المناطق لا تصلح سوى للتبغ، الذي يحتاج إلى ظروف خاصة كالرطوبة العالية، أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ”الندي”، ما يمنحه جودة استثنائية يعتز بها المزارعون هناك.

يبدأ موسم التبغ في القدموس في شهر كانون الأول مع زراعة البذور، ويستمر حتى حزيران موعد الحصاد. لكن رحلة الورقة الخضراء لا تنتهي هنا، إذ تُجمع في المنازل وتدخل في ما يُعرف محلياً بـ”مرحلة الشك”، حيث تُربط على خيوط وتُعلّق على مناشر خشبية أو معدنية لعدة أشهر حتى تجف، قبل أن تُخمر في شهر تشرين، بانتظار موعد تسليمها إلى “الريجة” (المؤسسة العامة للتبغ).

مصاعب الزراعة.. بين الجفاف وغلاء نقل المياه

وأوضح “أبوحمود” أن تكاليف الزراعة أصبحت لا تحتمل، بدءاً من شراء “التورب” المستخدم للشتول، وصولاً إلى الري ونقل المياه الذي قد يصل إلى 150 ألف ليرة للنقلة الواحدة، فضلاً عن غلاء الأسمدة والمبيدات. ويضيف: «تبلغ أجرة عامل الشتول 100 ألف ليرة يومياً، وساعة الفلاحة كذلك، ولكن رغم ذلك لا يمكننا التخلي عن هذه الزراعة، فهي موردنا الوحيد، حتى لو كانت النتيجة خسارة مالية».

ورغم المصاعب، يرفض أبناء ريف القدموس الانسحاب من أرضهم. ما يخفف العبء – بحسب تعبيره – هو “العَونة”، وهي عادة اجتماعية متجذرة، يجتمع فيها الكبار والصغار والنساء والرجال للمساعدة في مختلف مراحل الزراعة، كنوع من الدعم المجتمعي المتبادل.

“ريحة الخير” في كل موسم

السيدة ذكية، والدة أبو حمود، تصف مواسم الدخان بأنها “أيام بركة”، لا تخلو من لمّة المحبين. تقول بابتسامة: «يلي بحبنا بيجي يعاونا»، وتعود بذاكرتها لأكثر من 65 عاماً من العمل في هذه الزراعة التي تعلمتها من شقيقتها، وتنقلها اليوم لأحفادها بكل دقة وأمانة.

وتشرح أن مؤسسة التبغ تحدد موعد تسليم المحصول في تشرين، ويُشترط أن يكون جافاً وذا لون أشقر مائل للحمرة. وهي مواصفات صارمة يحاول المزارعون تحقيقها رغم كل التحديات.

بين مناشر الدخان وذاكرة الشقاء، لا يزال أبناء ريف القدموس يزرعون الأمل إلى جانب ورق التبغ، ويمسكون بخيط أخضر من الصمود، رغم ما تفرضه الطبيعة والسوق من أعباء. وفي مشهد تتقاسمه النساء والأطفال والعجائز، تصبح زراعة الدخان أكثر من مهنة، بل حكاية انتماء وهوية لم تُخمدها بعدُ ريح الجفاف.

زر الذهاب إلى الأعلى