الرئيسيةحرية التعتير

رسالة من قرية أم المحرومين إلى سعيد في ضواحي برلين

أم سعيد تراسل ابنها بعد 15 عاماً من الغياب

سافر “سعيد المغبون” من قريتنا منذ نحو 15 عاماً، ولم يعلم أحد عن أخباره شيئاً منذ ذلك الحين حتى إن الروايات تتضارب حول وجهته التي قصدها.

سناك سوري _ زياد محسن

ومن دون سابق إنذار، وصلت رسالة بالبريد العادي إلى “أم سعيد” التي تعيش وحيدة في بيتها الواقع عند مدخل القرية كأنه يستعجل استقبال قاصديه، وكانت الرسالة من “سعيد” تروي تعطّش تلك الأم لأي شيء من رائحة ولدها الغائب.

قصدتني “أم سعيد” لأقرأ لها الرسالة كونها لا تعرف القراءة والكتابة فقد عاشت طفولتها قبل التعليم المجاني ومحو الأمية، بينما تخرّج ابنها من مدارس الحكومة المجانية وجامعاتها وأصبح مهندساً، وكتب لها أن يسكن الآن في ضواحي “برلين” وتزوج من ألمانية وأنجب ولداً سمّاه “كارل” ولم يسمّه على اسم أبيه الراحل “درويش”، كما أنه يطلب منها أن تبدأ بإجراءات استخراج جواز سفر كي يستقدمها إليه ويلمّ شمل العائلة هناك في ضواحي العاصمة الألمانية، مبرراً اختفاءه الطويل بمشاغل الحياة ومصاعب العمل والضغوطات اليومية التي أنسته حليب أمه.

ورغم شعورها بالغصّة، حاولت “أم سعيد” ألّا تعكّر صفو فرحتها برسالة ابنها المختفي منذ سنين، وطلبت مني أن أكتب له جوابها على رسالته التي طلبت فيها أن تطمئنه عن أحوالها.

اقرأ أيضاً:ارتباطنا بالمدن خيط ممدود من عاطفة – شاهر جوهر

بسم الله الرحمن الرحيم، من قرية أم المحرومين إلى ضواحي “برلين”، كيف حالك يا بنيّ وكيف حال زوجتك وابنك، أ لم تشتَق يا بني لـ”أم المحرومين”؟ لقد اشتاقتك شجرة التين المنتظرة قرب باب الدار وعين الماء التي شحّت مياهها منذ بدأت الحرب.

تغيّرت ضيعتنا يا ولدي منذ رحلت، فقد هاجرت عائلة “أبو محمود” إلى المدينة، وأغلق “يوسف الغريب” دكّانه وبدأ يعمل في التهريب، وباع “إسماعيل الخياط” أرضه واتجه نحو البحر ويقولون أنه يعمل بتأجير الشقق للسيّاح.

تزوّجت ابنة عمّك “فاطمة” من موظف في مصلحة الضرائب وتعيش معه حياة رغيدة فقد قدّم لها 5 أساور في حفل الزفاف، أما ابنة خالتك “سعاد” التي خطبتَها قبل سفرك فجاء نصيبها وتزوجت من تاجر لحوم وتقول أن اللحم لا ينقطع من منزلها، أ تذكر “سعاد” يا “سعيد”؟ كم كنتما مناسبَين لبعضكما! ولكن حسناً الزواج قسمة ونصيب.

أما أنا فبخير يا بنيّ، منذ سافرتَ وأنا أعيش على الراتب التقاعدي لوالدك، صحيح أنه بات لا يكفي لأول أسبوع من الشهر ولكن الحكومة لم تقطعه عني، إلا أني يا ولدي أتعب حين أسافر للمدينة كل شهر من أجل تقاضي الراتب، وتوجعني مفاصلي حين أقف على طابور انتظار تلك الآلة التي تخرج النقود، أما الأرض فضمّنتها لـ”عادل” ابن خالك، لكن محصولها تراجع والزيتون لم يعد يثمر كما أيام الخير.

لا تخف، ابن خالتك “محمود” الله يرضا عليه، يشتري لي كل شهر مرهماً لأوجاع المفاصل، و”شفيقة” جارتنا تتذكرني كلما طبخت غداءً طيباً والحكومة منحتني بطاقة ذكية أشتري بها الخبز المدعوم وقالوا أنهم سيعطوننا 50 ليتر من المازوت في الشتاء الماضي لكنه لم يصل بعد، وبرد قريتنا قاسٍ كما تعرفه وأنا كبرت وصار جمع الحطب صعباً عليّ يا ابن بطني.

أهل “أم المحرومين” لا ينسونني فأنا من ولّدت أمهاتهم وحملتهم بين يدي حين كانوا أطفالاً يخرجون للدنيا ف أول لحظاتهم.

وماذا عن جواز السفر يا ولدي؟ أ تريد مني أن أترك داري؟ لا يا “سعيد” .. ماذا سيقول الناس؟ مهدية بنت أسعد باعت دارها وأرضها؟ من سيسقي شجرة التين بعدي؟ أ لديكم شجر تين في البلاد التي تسكنها؟ لم يبقَ في العمر ما يستحق يا بنيّ وإن شئتَ أن تحقق لي أمنية أخيرة قبل موتي فتعال ودعني أراك مرة أخيرة أنتَ وحفيدي، الله يرضا عليك يا سعيد، أمك مهدية لن تخرج من “أم المحرومين” ولن تترك أهلها، تعال يا بني هذه البلاد كأمك تستحق زيارة أخيرة.

المرسل: مهدية أسعد حزنان، قرية أم المحرومين.

اقرأ أيضاً:بعصر البطاقة الذكية.. قرية سورية تعيش بدون كهرباء منذ 10 سنوات

زر الذهاب إلى الأعلى